جهاد الخازن

اسرائيل ترتكب محرقة في قطاع غزة فماذا أقرأ في صحف لندن؟ أقرأ أخباراً عن المحرقة النازية، فجريمة ارتكبت قبل 60 سنة أهم من جريمة مثلها ترتكب اليوم تحت سمع العالم وبصره.
المقدمة بحاجة الى إيضاح قبل أن أكمل، فأنا أقرأ يومياً كل الصحف البريطانية بحكم العمل، وبما أنني أقلّب كل صفحة فيها، فإن أخبار أبطال المحرقة والروايات والأفلام تأتيني من دون طلب. أما الصحف الأميركية فأقرأها على الانترنت، وأختار منها ما أريد فقط، أي الأخبار السياسية قبل غيرها، وأتجاوز صفحات التحقيقات الاجتماعية والسينما والمحليات. ولعلي لو قرأتها حبراً على ورق لوجدت مادة أكثر عن الهولوكوست، فهو في أميركا صناعة أخرى.
اليوم أكتفي بما وجدت في صحف لندن، وكلها محفوظ عندي للراغب. فأتجاوز التفاصيل في مختاراتي، وأقول انني بعد بدء العدوان في 27 من الشهر الماضي لاحظت خبراً أو خبرين عن المحرقة وتجاوزت الموضوع. غير أنني مع بدء السنة الجديدة وجدت أن هناك خبراً يومياً أو أكثر عن المحرقة، ولا بد أن الصدفة لعبت دورها، إلا أنني لا أفسر كل المنشور بالصدفة وحدها فغزارة المادة، فيما غزة تحترق، تعني أن هناك من يحاول تحويل الأنظار عن النازيين الجدد في اسرائيل.
وهكذا، ومع غزة كخلفية، عندي التالي:
- في 3/1/2009 صفحتان عن الفيلم laquo;التحديraquo; والعنوان الكبير على امتدادهما laquo;أولاد بيلسكي الرائعونraquo;، وهو يحكي قصة ثلاثة أخوة من روسيا البيضاء، أو بيلاروسيا الآن، رأوا آلة الحرب النازية تطحن يهود بلادهم فلم يفروا أو يستسلموا وإنما نظموا مقاومة وقتلوا من استطاعوا من النازيين. وبطل الفيلم هو دانيال كريغ، آخر أبطال أفلام جيمس بوند، والمخرج هو إد زويك.
- في 3/1 أيضاً خبر عنوانه laquo;فيلم كوبريك عن الهولوكوست سيُروى على حلقاتraquo;. وقرأت أن المخرج المشهور ستانلي كوبريك استثمر وقتاً طويلاً ومالاً في إعداد فيلم عن غيتو وارسو، إلا أنه توفي من دون أن يخرج الفيلم، والآن ستعرض الفنانتان جين ولويز ولسون عمل كوبريك في حلقات يستضيفها معهد الفيلم البريطاني في لندن.
- في 4/1 كان هناك عرض للفيلم laquo;القارئraquo;، من تمثيل كيت ونسلت ورالف فيفز وآخرين، عنوانه laquo;الهولوكوست كمواعظraquo; والناقد فيليب فرنش يمتدح إخراج ستيفن دالدري وأداء ونسلت وفيفز، ومعهما ديفيد كروس، إلا أنه يسجل بعد ذلك ملاحظات على سرد القصة، وكيف أن البطل يقرأ في الفيلم من كتاب بالانكليزية، مع أنه لا بد كان يقرأ بالألمانية.
- في 6/1 قرأت تحقيقاً في صحفتين عن الفيلم laquo;التحديraquo; يتناول توفيا بيسلكي الذي قاد مقاومة النازيين مع أخويه، فمع أنه أنقذ أرواح يهود كثيرين، إلا أن هناك معلومات أخرى تقول أن سيرته المكتوبة تتجاهل انه ارتكب فظائع ضد الشعب البولندي، مثل قتل كل من حامت حوله شكوك بالتعاون مع النازيين.
- في 7/1 قرأت عرضاً آخر لفيلم laquo;التحديraquo; مع التركيز على أن الفيلم يحكي قصة حقيقية ويجب أن يعامل كعمل جدي وهو يبرز بطولة الأخوة الثلاثة ضد النازيين.
- في 7/1 أيضاً حمل غلاف ملحق جريدة لندنية صورة من الحرب العالمية الثانية والصليب المعقوف. وفي الداخل تحقيق من ثلاث صفحات مع صور كثيرة عن الأفلام الجديدة عن الحرب مثل laquo;فالكيريraquo; وهو يحكي قصة المؤامرة الفاشلة لقتل هتلر، و laquo;التحديraquo; و laquo;القارئraquo; و laquo;أولاد زنا حقيرونraquo;، وكلها أفلام أشرت اليها في مقال لي في هذه الزاوية بتاريخ 29/12/2008 كتبته قبل انفجار الوضع في غزة مستغرباً التركيز على محرقة قديمة مع وجود محرقة ترتكب كل يوم ضد الفلسطينيين، وعدت الى الفكرة هذا الأسبوع بعد أن وجدت أن التركيز مستمر ومكثف، ما ينفي الصدفة عن جزء كبير منه.
وهناك جريدة تنبش قصصاً من الأرشيف في صفحة خاصة لها كل أسبوع، وهي اختارت في 11/1 موضوعاً عنوانه laquo;آخر وقفة لرجال هتلرraquo; حكى عن محاكمات النازيين في 31/8/1946 عندما قدم رجال هتلر دفاعهم الأخير عن أعمالهم.
وربما كنت تجاوزت الموضوع كله، خصوصاً انني أشرت اليه مع نهاية 2008 لولا أن مجلة إحدى الصحف في نهاية الأسبوع الماضي اختارت لغلافها صورة للممثل توم كروز ومقابلة في صفحات معه عن دوره في الفيلم laquo;فالكيريraquo; وكيف فشلت المؤامرة ضد هتلر.
وضمت مجلة عدد الأحد من جريدة أخرى ثلاثة مواضيع عن هتلر والهولوكوست والأفلام الجديدة. هل هذا كله صدفة؟ أترك للقارئ أن يقرر ولكن أقول انه اذا استمرت مجزرة غزة فلا بد أن يفوز أحد هذه الأفلام بجائزة أوسكار ليلتهي الناس به عن النازيين الجدد وجرائمهم في غزة.
أمس (أكتب الثلثاء) امتلأت الصحف كلها بأخبار جوائز laquo;غلوبraquo; للسينما، وفازت كيت وينسلت بجائزتين، إحداهما عن laquo;القارئraquo;، وقال الكوميدي ريكي جيرفيس انه كان نصح وينسلت بلعب دور عن الهولوكوست لتضمن الفوز بجائزة.