عدنان حسين

بالضبط.. كما وعد أو تنبأ إسماعيل هنية تحوّلت غزة إلى مقبرة.. ولكن لسكانها الفلسطينيين، وليس للقوات الإسرائيلية. فآخر حصيلة لعدد الضحايا تقول إن القتلى نحو ألف، والجرحى أكثر من أربعة آلاف وخمسمئة.. وحتى لو كانت هذه الأرقام مبالغا بها للمزيد من إثارة الرأي العام العالمي، فإن نصفها، أو حتى ثلثها، يكفي للقول بأن غزة صارت مقبرة لأهلها بالطبع، وليس للإسرائيليين كما وعد هنية وسواه من قادة حماس والجهاد، فهي مجزرة حقيقية أن يُقتل 300 إنسان ويُجرح 1500 في غضون عشرين يوما، إن في غزة، أو في أبعد طرف للكرة الأرضية عنا.

وبالتأكيد سيموت عشرات من الجرحى الحاليين، بمن فيهم ذوو جراح غير خطيرة، بسبب انهيار نظام الخدمات الصحية في قطاع غزة بأكمله. كما سيموت عشرات، وربما مئات آخرون، وسيصاب مئات، وربما آلاف آخرون، ما دامت العملية الإسرائيلية متواصلة، وإلى أن يتحقق فعلا الوقف التام والشامل لإطلاق النار، وهو أمر لا يبدو قريب المنال خلال يومين أو ثلاثة قادمة.

وبخلاف ما وعد، أو تنبأ به هنية في اليوم الثاني لبدء العدوان الإسرائيلي في كلمة متلفزة بتحول غزة إلى مقبرة للاسرائيليين، فإن آخر كلمة متلفزة له (بُثّت مساء الإثنين) كانت إعلانا شبه صريح برفع الراية البيضاء، على الرغم من أن رفاقه في حماس والجهاد الإسلامي الذين يعيشون على بعد آلاف الكيلومترات عن الجحيم في غزة، ما انفكوا يحضّون على المزيد من الموت والدمار، مثلما تفعل الإذاعات والتلفزيونات التابعة لإيران وحزب الله وسورية وليبيا ومن لفّ لفّهم، لتحويل غزة إلى أكبر مقبرة في العالم.

وحتى لو كان هنية قد كابر مثل رفاقه في الخارج، ولم يظهر لنا بهذا الوجه الذي يحمل علامات الانكسار، فإن واقع الهزيمة المنقول بالبث الحي والمباشر، أكبر وأوضح من تبجحات قادة حماس والجهاد الخارجيين، وأكبر من إحلامهم بتحقيق نصر ولو بإبادة شعب غزة كله. فعلى الدوام كان هناك laquo;ثوريونraquo; على استعداد للتضحية بشعوبهم من أجل laquo;القضية الكبرىraquo;، التي ينتهي بها المطاف إلى حيّز بحجم كرسي يجلس عليه laquo;الثوريraquo;، ولا يريد أن يتزحزح عنه، ولو كان الثمن مئة مجزرة مثل مجزرة غزة المتواصلة.

بعض الحقائق مُرّة.. والحقيقة أن في غزة هزيمة ونصراً.. الهزيمة هي من نصيب حماس والجهاد، والنصر هو من نصيب إسرائيل، وإلى جانبها طهران وحزب الله ودمشق وطرابلس الغرب ومن لفّ لفّهم، ولكل منهم أجندته الخاصة المختلفة عن أجندة الشعب الفلسطيني الخاسر الوحيد والأكبر في جحيم غزة.