مريم سالم

لن يهدأ بال القادة العرب طالما ترزح غزة تحت وطأة العدوان الغاشم، وكما يتابع المواطن العربي البيانات الصادرة من القمم العربية التي تعقد هنا وهناك، يتضح أن هناك تحركات دبلوماسية تحاول أن تخلق فارقا في أجواء اكتست بلون الدم، واتشحت بالسواد حزنا وكمدا على الأبرياء الذين يسقطون بشكل يومي دون أن يحول بين هذا الموت المجاني حائل يدفع باتجاه وقفه وإنهائه تماما.

ولعل من تابع الفضائيات في الفترة القليلة الماضية سيجد أمامه حالة من الشيزوفرينيا العربية، فالقمم العربية باتت تضغط على أعصاب كل من يتابعها وتتركه أمام حيرة بالغة، فالقضية التي تتصدى لها هذه القمم هي laquo;قضية غزةraquo; والتي وحدت المشاعر العربية شعوبا ودولا، ولكنها في هذه القمم نجد أنها عمّقت انقساماتهم، ورسخت ضلوع بعضهم في إحداث فوضى حتى على مستوى الرأي العام الذي من المفترض أن يتوحد تجاه القضية الأم، وكما قال عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية laquo;الوضع العربي مخز جدا وفوضى ومؤسفraquo;.

وما يزيد من حيرة البعض تجاه هذه القمم والاجتماعات أن بعض السياسيين العرب أنفسهم يجدون أن القضية الفلسطينية قد ساهمت في إحداث الفرقة السياسية بين العرب وطوال عقود، لذلك ليس مستغربا أن يبحث العرب عن عوامل جديدة للتوحد، ولعل عامل الاقتصاد هو التحدي الجديد الذي يطمح له القادة العرب ليكون شغلهم الشاغل في الفترة القادمة، ورغم ذلك فإن القمة الاقتصادية التي عوّلت عليها الدول العربية أيضا لم تسلم من الظلال السياسية.

ففي حديث لأمير الكويت قبل انعقاد القمة الاقتصادية في الكويت، تحدث عن خلفية دعوته لعقد القمة الاقتصادية laquo;فقد كان في نيتي أن تكون القمة اقتصادية بحتة، فبعد أن فرقتنا السياسة وجدت في الدعوة إلى قمة اقتصادية فرصة لكي يجمعنا الاقتصادraquo;، وأضاف laquo;وللأسف كانت القضية الفلسطينية تجمعنا، أما الآن فهي القضية التي تفرقناraquo;، وأشار إلى انه يتمنى أن laquo;نرى حلولا لهذه القضية، بعيدا عن الشعارات التي ظلت لا تخدمنا طوال ستين عاماraquo;.

وبعد انتهاء القمم التي بدأها اجتماع وزراء العرب في الكويت الذي تزامن مع قمة غزة الطارئة في الدوحة، أعقبتها قمة المبادرة المصرية الدولية، وأخيرا القمة الاقتصادية في الكويت، والتي تناولت جميعها موضوع غزة laquo;بالبحث والنقاشraquo;، وبالوقوف على البيانات الختامية يدور السؤال: هل خرجت هذه القمم عن المطالب العربية المعروفة؟

القارئ والمتتبع للقرارات الصادرة عن هذه القمم يكتشف أنها تدور في حلقة مفرغة فما يقال هنا يعاد هناك، ويكمن الاختلاف فقط في البلد الذي يحتضن هذه القمة أو تلك، ومن تابع قمة غزة الطارئة في الدوحة سيقف عند نفس النقاط التي تمخضت عنها القمة الاقتصادية في الكويت ولكن بإضافة البنود المتعلقة بإعادة إعمار القطاع، ودعم موازنة السلطة الفلسطينية، ودعم المبادرة المصرية، أما فيما يخص إيقاف العدوان الإسرائيلي وفتح المعابر.

فإنها من النقاط المشتركة التي حرصت البيانات الختامية على التأكيد عليها والإصرار على إعادة طرحها في كل اجتماع، ولا يزال موضوع المبادرة العربية للسلام محل خلاف بين العرب، وإذا كانت سوريا قد نعت مبادرة السلام، فهناك من يجد ضرورة التمسك بها كما أعلنها صراحة الرئيس اللبناني العماد ميشال سليمان، ورغم ذلك خرجت قمة الدوحة بتعليق لمبادرة السلام، والتي يجد الرئيس السوداني أنها لن تعني الاستسلام.

الواقع أن انعقاد هذه القمم بكل ما حملته من قرارات، قد حمّل الوضع أكثر مما يحتمل، فليس في مصلحة الوضع العربي المتأزم من ضعف وقلة حيلة أمام جبروت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، أن يتبارى في الانفراد بعقد القمم ووضع العرب في حالة من الانقسام، خاصة وان قمة الدوحة لم تحظ بالدعم الكافي وعانت من عدم اكتمال النصاب القانوني لعقدها.

فالإحساس بالإحباط والخذلان هو ما قد يدفع البعض إلى الاعتذار عن الحضور، وأيضا التشتيت غير المقصود لجهود الساسة العرب، لعب دورا في إضعاف هذه القمم على عكس النتيجة المرجوة، لدرجة أن البعض قد وجد صعوبة في تواجده في قمتين في الوقت نفسه، وهذا ما دفع وزراء الخارجية العرب المجتمعين في الكويت للتساؤل عن غياب وزير الخارجية السوري والذي كان في الوقت نفسه متواجدا في الدوحة!

الغريب أن تكون هناك شجاعة لوصف الحالة العربية وطريقة معالجتها لقضية غزة، ففي رده على سؤال صحفي على هامش اجتماع وزراء العرب في الكويت تحدث الأمير سعود الفيصل فيما إذا كانت قمة الدوحة قد كرست الانشقاق العربي مؤكدا على أنه laquo;يكفينا الانشقاق الفلسطيني..

ويبدو أن هذه علامة الشباب، والعالم العربي الذي يمر بمرحلة المراهقة قبل النضجraquo;. والواضح أن قمة الدوحة قد أربكت الصف العربي، خاصة وان العرب كانوا على مشارف عقد القمة الاقتصادية في الكويت، لذا كان واضحا أن laquo;الفيصلraquo; كان يعوّل كثيرا على قمة الكويت التي لم تخرج عن نطاق قمة الدوحة.

بعد إسدال الستار على القمم العربية لانتشال غزة من وضعها المؤلم، فإن الحقيقة التي أصبحت لا تخبى بغربال أن العرب أصبحوا أكثر تشرذما وأقل لُحمه، وأكاد أجزم بأن المبادرات لقمم جديدة لا تزال تلوح في الأفق، على الأقل لوضع نقاط القمم السابقة على الحروف اللاحقة.