الموصل.. حكاية بعثية

عدنان حسين

يعرف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، أكثر مني ومن أي عراقي آخر، أن الموصل صارت حكاية بعثية.. خصوصا منذ الانتخابات المحلية الأخيرة.
هو يعرف، كما أعرف أنا ويعرف كل العراقيين وبعض غيرهم، أن مجلس محافظة نينوى الحالي يسيطر عليه البعثيون الصداميون وحواشيهم. وهو يعرف أيضا أن هذا حدث عندما حشد البعثيون وحواشيهم والجماعات الإرهابية الأخرى، على مدى سنة وأكثر، قواهم ووزعوا الأموال واستعملوا، إضافة إلى هذا، أسلوب التهديد والوعيد، لضمان فوزهم في انتخابات مجلس المحافظة، بينما انخرطت قوى النظام الجديد في خلافاتها بشأن السلطة والنفوذ.
والسيد المالكي يعرف أكثر من غيره أن ما حدث في الموصل هو بروفة لما يراد له أن يحصل في مناطق العراق الأخرى، ليستولي البعثيون الصداميون وحواشيهم على محافظات الرمادي وتكريت وديالى، تمهيدا لإعادة سيطرتهم على العاصمة بغداد والعراق بأكمله.
السيد المالكي يعرف تماما، كما أعرف أنا ويعرف غيري من العراقيين، أن كل واحدة من هذه المراحل هي بند في البرنامج البعثي الصدامي الذي يتضمن أيضا التغلغل في أجهزة الشرطة والأمن والجيش، وتقوية المواقع في أجهزة الدولة المدنية والجامعات والمنظمات الشعبية. وهو يعلم علم اليقين أن عددا غير قليل من أعضاء البرلمان وبعض وزراء حكومته -وهم من البعثيين الصداميين وحواشيهم ممن مكّنهم نظام الطائفية السياسية وأسلوب المحاصصة الطائفية من تولي مناصبهم الخطيرة- يساهمون في تنفيذ هذا المخطط ويسهّلون تسريعه.
لسنا كغيرنا ممن ثاروا في وجه السيد المالكي عندما تحدث منذ حين عن إمكانية شمول بعض البعثيين بالمصالحة الوطنية، فنتهمه بالتواطؤ مع البعثيين وحواشيهم لضمان بقائه في منصبه بعد الانتخابات النيابية المقبلة، لكن من واجبنا تذكيره بهذا المخطط الذي يعرفه هو حق المعرفة، حتى لا يرتكب خطأ فادحا في حق الشعب العراقي الذي يتطلع إلى مستقبل يكون فيه هو سيد نفسه لا عبدا للدكتاتور، كما كانت عليه حاله في عهد البعث.
ومن الواجب أيضا أن نذكر السيد المالكي بأن قوات البيشمه ركة التي انتصر للبعثيين الصداميين وحواشيهم في الموصل ضدها منذ ايام، عندما تحدث عن عدم شرعية وجودها في محافظة الموصل، هي قوة وطنية باعترافنا جميعا، نحن الذين نفخر بمعارضتنا العنيدة عقودا من الزمن للفاشية البعثية.. وشهادتنا هذه كانت عن واقع حال عشناه، والسيد المالكي وسائر أقطاب حزبه وائتلافه الشيعي عاشوه معنا.. البيشمه ركة حفظت كيان إقليم كردستان العراق، وأمّنت التحاقه السلس بالوطن الأم بعد التحرر من دكتاتورية البعث الصدامي.. والبيشمه ركة حفظت أمن الشعب الكردي ومعه أمن آلاف العرب ممن انعدمت أمامهم فسحة الأمل في الجارتين (الشقيقتين! إيران وسورية)، بل وفّرت لهم فرص العيش الكريم والنضال المتواصل ضد الدكتاتورية البعثية، وكذلك فرص مواصلة التعليم، وأظن أن السيد المالكي لا ينكر هذا، فهو أحد أول وأكبر المستفيدين من تلك الفرص.
البيشمه ركة جزء من القوات المسلحة العراقية.. هذا ما ينصّ عليه الدستور الذي على أساسه تولى السيد المالكي منصبه ومسؤولياته، وبالتالي فإن وجودها شرعي أينما كانت في العراق.. بينما غير الشرعي هو التعطيل المتواصل لمادة الدستور 140.. غير الشرعي هو الصحوات التي تنوء حكومة السيد المالكي باعبائها.. غير الشرعي هو الميليشيات الطائفية التي لم تنجح حكومة السيد المالكي في تفكيكها.. وغير الشرعي هو تنظيمات البعث الصدامي وحواشيه التي بدأت رحلة العودة إلى الكراسي التي يجلس عليها السيد المالكي وزملاؤه.. ابتداء من الموصل وامتدادا إلى أجهزة الأمن والشرطة والجيش والبرلمان والحكومة.