صنعاء - صادق ناشر

يبدو أن ساحتي المواجهة المفتوحتين في كل من العراق وأفغانستان منذ ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول العام ،2001 والتي هزت الولايات الأمريكية لا تكفيان، إذ بدأت واشنطن تعد اليمن كساحة ثالثة لحربها الجديدة، فالأنباء التي حملتها اعترافات الطالب النيجيري عمر فاروق عبدالمطلب، الذي كان على وشك تنفيذ عملية تفجير ضد طائرة ركاب أمريكية كانت متجهة من العاصمة الهولندية امستردام إلى ldquo;ديترويتrdquo; الأمريكية الأسبوع الماضي، والحديث عن أنه تلقى تدريبات في معسكرات ldquo;القاعدةrdquo; في اليمن، وأن ldquo;هناك الكثير من أمثالي هناكrdquo;، حسب قوله، أعطت للأمريكيين إشارة التخلص من التردد لمقارعة ldquo;القاعدةrdquo; في اليمن، بعدما اتضح أن خطر التنظيم صار يقترب أكثر وأكثر، وتخشى واشنطن من أن يصل إلى البيت الأبيض .

فتح المواجهة مع ldquo;القاعدةrdquo; في اليمن أكد أن صنعاء بدأت تفكر جدياً في إعادة فتح هذا الملف وبهذا الاتساع، بعد أن كانت تخشى من أن يكون إعادة فتحه في مثل هذه الظروف التي يعيشها اليمن مثاراً لمشاكل جديدة لا تريد مواجهتها دفعة واحدة، إذ إن لديها ملفين مهمين لا يزالا غير محسومين، الأول الحرب الدائرة المستمرة ضد حركة تمرد الحوثي في الشمال، وهي حرب مستمرة منذ نحو ست سنوات، والملف الثاني هو ملف الوضع في الجنوب، الذي تتصاعد معه الاحتجاجات المصحوبة بدعوات مطالبة بانفصال الجنوب عن دولة الوحدة، كما أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلد هي الأخرى كانت أحد العوامل التي كانت تتحاشى صنعاء التعاطي مع ملف ldquo;القاعدةrdquo; في وجودها .

غير أن مخاوف صنعاء من أن تصعب مواجهة ldquo;القاعدةrdquo; في حال تركت من دون معالجة جادة دفع بها إلى إعلان مواجهة شاملة معها، مغامرة بذلك بفتح ثلاث جبهات ساخنة دفعة واحدة، وهي جبهات يمكن أن تترك تأثيراً في الوضع العام في البلاد .

ويؤكد وزير الخارجية اليمني الدكتور أبوبكر القربي أن ldquo;قرار صنعاء توجيه الضربة ضد خلايا وأوكار القاعدة خلال الأسبوعين الماضيين في كل من أبين وشبوة وأرحب كان قد اتخذ منذ فترة طويلة، ورأت الحكومة تأجيله حرصاً على عدم فتح جبهة جديدة في ظروف المواجهات العسكرية مع الحوثيين في صعدة، إلا أن تمادي القاعدة في تنفيذ عملياتها الإرهابية ضد الأمن وقيادته وإعدادها مخططات إرهابية كانت توشك على تنفيذها ما يهدد مصالح البلاد واقتصادها جعل قرار توجيه هذه الضربة غير قابل للتأجيلrdquo; .

لكن فتح ملف المواجهة الشاملة مع تنظيم ldquo;القاعدةrdquo; لم يكن عائداً إلى المخاوف اليمنية هذه، بل إلى إلحاح واشنطن على كبح جماح ldquo;القاعدةrdquo; التي بدأ يتنامى في الفترة الأخيرة، حيث تخشى واشنطن أن يستغل تنظيم ldquo;القاعدةrdquo; حالة التململ في المناطق الجنوبية وغياب السلطات المركزية في هذه المناطق من ترسيخ أقدامه فيها، لذلك لم يكن من المستغرب أن تكون أولى الضربات التي وجهت لتنظيم ldquo;القاعدةrdquo; بهذا الشكل العنيف في السابع عشر من شهر ديسمبر/ كانون الأول في أبين، وبعدها بأسبوع في شبوة، وكلا المنطقتين في جنوبي البلاد، وفي الضربتين تلقت ldquo;القاعدةrdquo; أكبر خسائرها في تاريخ المواجهات مع السلطات الأمنية اليمنية، والتي بدأت منذ العام 1998 عندما وقعت أولى المواجهات مع التنظيم في محافظة أبين نفسها .

وتشير مصادر مطلعة إلى أن واشنطن قدمت دعماً مالياً ولوجيستياً للجيش اليمني لتوجيه ضربة لمعسكرات تدريب ldquo;القاعدةrdquo; في كل من أبين وشبوة، وجرى حديث عن وجود خبراء أمريكيين في صنعاء لتأهيل قوات خاصة لمكافحة الإرهاب، وكشفت بعض المصادر عن إعادة تأهيل مطار قديم للطيران اليمني يقع في منطقة حرف سفيان بمحافظة عمران، شمالي العاصمة صنعاء لاستخدامه من قبل الطائرات الأمريكية لقصف مواقع ldquo;القاعدةrdquo;، وهو ما يتوافق وحديث الحوثيين عن مشاركة الطيران الأمريكي في قصف مواقع تابعة للحوثيين في عمران وصعدة، إلا أن صنعاء تنفي مثل هذه المعلومات، وتقول إن التعاون الأمريكي اليمني في مجال مكافحة الإرهاب لا يعدو عن كونه تقديم دعم مالي واستخباراتي في إطار الشراكة الدولية لمكافحة الإرهاب .

مخاوف واشنطن

اعتراف الرئيس الأمريكي باراك أوباما من أن محاولة تفجير الطائرة الأمريكية قبل هبوطها في ديترويت كانت ترجمة ل ldquo;فشل أمني واستخباراتي في مواجهة الإرهابrdquo;، يؤكد أن الولايات المتحدة صارت على قناعة من أن كافة التدابير الأمنية التي تم اتخاذها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين لم تمنع ldquo;القاعدةrdquo; من التواجد والحضور الكبير في الساحة الدولية .

وعندما كشفت التحقيقات أن منفذ محاولة تفجير الطائرة الأمريكية، وهو الطالب النيجيري عمر فاروق عبدالمطلب كان في اليمن لأربعة أشهر، وأنه تلقى تدريبات في معسكرات تدريب ل ldquo;القاعدةrdquo;، وحديثة عن أن ldquo;هناك الكثير من أمثالي في اليمنrdquo; تأكدت واشنطن أن الأرض اليمنية هي الساحة الجديدة التي تهدد أمن الولايات المتحدة الأمريكية، وأن عليها التحرك للجم هذا التهديد قبل أن يستفحل، ويصبح من الصعوبة السيطرة عليه في المستقبل .

ورأى مشرعون أمريكيون أن الحرب على ldquo;القاعدةrdquo; في اليمن أصبحت من الضرورات في المرحلة المقبلة لحماية أمن الولايات المتحدة الأمريكية، ونصحوا الإدارة الأمريكية بالالتفات إلى اليمن لمحاصرة تهديدات هذا التنظيم الذي بدأ يتوسع بشكل لافت في البلاد خلال السنوات الأخيرة، واقترحوا تقديم دعم مالي كبير إلى اليمن لتتمكن من مواجهة الخطر القادم على أمنها .

وكان مما أزعج الأمريكيين هو ظهور قادة وزعماء بارزين لتنظيم ldquo;القاعدةrdquo; بعد ساعات من الغارة الجوية التي تم تنفيذها ضد معسكر تدريب ل ldquo;القاعدةrdquo; في منطقة ldquo;المعجلةrdquo; بمحافظة أبين، جنوبي البلاد، وهو ما اعتبرته واشنطن وصنعاء على السواء، تحدياً واضحاً تبديه ldquo;القاعدةrdquo; لكافة التدابير المتخذة من قبل صنعاء وواشنطن لتقليم أظفار ldquo;القاعدةrdquo; في البلاد، وتؤكد من خلاله أنها حاضرة وبقوة في الساحة اليمنية .

وقد رأت صنعاء في هذا التطور رغبة واضحة للتنظيم بإقامة ldquo;إمارات إسلاميةrdquo; في محافظات عدة في البلاد، بدءاً بمحافظة أبين، وذلك بحسب إفادة أدلى بها نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن الدكتور رشاد العليمي أمام مجلس النواب الأسبوع قبل الماضي، حيث أكد أن الضربة التي وجهت للتنظيم في أبين، وسقط فيها العشرات من عناصر التنظيم والمواطنين ldquo;كانت خطوة استباقية لمنع التنظيم من التواجد في هذه المناطقrdquo; .

ويرى العليمي أن الحكومة كانت واقعة تحت خيارين لا ثالث لهما في مواجهة عناصر ldquo;القاعدةrdquo;، إما المواجهة أو الاستسلام للتقارير الدولية التي صورت اليمن كملاذ مفضل لعناصر التنظيم وشبهته بالوضع في أفغانستان، ما اثر سياسيا واقتصادياً على البلاد .

لذلك وفي محاولة من صنعاء لتبديد مخاوف واشنطن أعلنت أنها لن تسمح بأن يحول تنظيم ldquo;القاعدةrdquo; أراضيها وجبالها إلى ldquo;تورا بوراrdquo; جديدة، وقال مصدر أمني رسمي إن صنعاء ستلاحق أعضاء التنظيم ونشاطاتهم في أي مكان يتواجدون فيه ؛ فيما أكد وزير الإعلام حسن اللوزي أن اليمن لن يكون حاضناً لأية قوى تمارس الإرهاب والتخريب، مشيراً إلى أن ldquo;لدى الحكومة خطة محكمة لمواجهة القاعدة وملاحقتها وتنفيذ عمليات نوعية تستهدف عناصرها وان الجهود مستمرة في تعقب ومتابعة جميع عناصر التنظيم سواء من اليمنيين أو العرب والأجانبrdquo; .

العامل السياسي والقبلي

منذ ظهور الحراك الجنوبي وبروز الدعوات المطالبة بالانفصال، بالإضافة إلى اندلاع الحرب السادسة ضد الحوثيين في الشمال والحديث عن تحالف بين تنظيم ldquo;القاعدةrdquo; والحوثيين والانفصاليين يتزايد، حيث تتهم السلطات قوى الحراك الجنوبي بتوفير الأجواء ل ldquo;القاعدةrdquo;، كما تتهم الحوثيين بإقامة تحالفات هدفها الإضرار باليمن والمملكة العربية السعودية، بخاصة بعد توحيد فرعي التنظيم في كل من المملكة واليمن وإنشاء قيادة جديدة له في اليمن .

ويقول نصر طه مصطفى، رئيس تحرير وكالة ldquo;سبأrdquo; الرسمية إن تنظيم ldquo;القاعدةrdquo; وجد في بعض التيارات الانفصالية الموجودة في اليمن ذات الجذور القاعدية والجذور الجهادية التي كانت على علاقة بأسامة بن لادن ؛ في إشارة إلى الشيخ طارق الفضلي، إحدى الزعامات الجنوبية، مظلة للانضواء تحتها وبالذات في محافظة أبين، مؤكدا أن جزءاً كبيراً من ldquo;القاعدةrdquo; يتمترس في هذه المحافظة، حيث يستظل ldquo;القاعدةrdquo; بالتيارات الانفصالية الموجودة في هذه المحافظة بغرض خلق نوع من الفوضى في اليمن .

وعلى الرغم من أن مصطفى لا يرى توافقاً عقائدياً بين الحوثيين وتنظيم ldquo;القاعدةrdquo;، إلا أنه يرى أنه ldquo;قد يوجد بين الطرفين توافق مصالح يؤدي إلى تنسيق تكتيكات متقاربة في فترات محددة الهدف منها زعزعة استقرار اليمنrdquo; .

لكن قادة الحراك الجنوبي يرفضون الربط بينهم وrdquo;القاعدةrdquo;، ويرون أن صنعاء تحاول بهذا الربط إيجاد الذرائع لضرب الطابع السلمي للحراك، وهم يتبرأون من ldquo;القاعدةrdquo; ويرونها تنظيماً إرهابياً لطالما عانى منها الجنوبيون، بخاصة في السنوات الأولى من قيام دولة الوحدة العام ،1990 حيث تعرض قادة كثر من الحزب الإشتراكي على أيدي تنظيم ldquo;الجهادrdquo; المحظور، الذي كان يتزعمه حينها الشيخ طارق الفضلي .

غير أن ضرب مناطق الجنوب وحد خطابي الحراك الجنوبي وrdquo;القاعدةrdquo;، حيث اعتبر الطرفان أن استهداف مناطق الجنوب بالغارات الجوية الأخيرة، بخاصة محافظتي أبين وشبوة هو استهداف للجنوبيين بأكملهم، وليس ldquo;القاعدة وحدها .

من هنا فإن قادة الحراك الجنوبي يطالبون السلطة بعدم الربط بين الحراك الذي يحمل طابعاً سلمياً وrdquo;القاعدةrdquo;، وإلا فإنها ستغوص في مستنقع مواجهات شاملة مع قبائل الجنوب، التي بدأت بالتحرك لمواجهة خطط السلطة في ضرب ldquo;القاعدةrdquo; والحراك الجنوبي معاً، والتي ترى السلطة فيهما ldquo;عدواً واحداًrdquo;، هدفه القضاء على النظام القائم في البلاد .

فاتورة ضربات ldquo;القاعدةrdquo;

تؤكد المصادر الرسمية في اليمن أن عدد العمليات التي نفذها تنظيم ldquo;القاعدةrdquo; في البلاد بلغ 65 عملية خلال الفترة من 1992 وحتى العام الماضي ،2009 حيث كان لهذه العمليات أكبر الضرر على الاستقرار والسكينة العامة والذي انعكس بدوره سلبياً على الاقتصاد الوطني ومسيرة التنمية والاستثمار وسمعة البلاد الدولية .

وبحسب تقرير رسمي فإن أضراراً عدة لحقت باليمن جراء هذه العمليات أبرزها أضرار سياسية واقتصادية كبيرة نتيجة شن حملة سياسية وإعلامية معادية تهدف إلى الإساءة إلى سمعة البلاد وعلاقاتها الخارجية ومكانتها الدولية من خلال الترويج للمعلومات الخاطئة المغلوطة التي حاولت أن تجعل اليمن هدفاً للحملة الدولية لمكافحة الإرهاب .

ويرى التقرير أن العديد من وسائل الإعلام الداخلي والخارجي حاولت التقليل من شأن الإجراءات المتخذة من قبل الحكومة في مجال مكافحة الإرهاب بكافة صوره وأشكاله .

ويشير التقرير إلى أن القطاع الاقتصادي في البلاد تأثر كثيراً وعلى وجه الخصوص المنشآت والوسائط السياحية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض العائدات السياحية لليمن إلى أدنى المستويات جراء إلغاء البرامج السياحية وتراجع توافد السياح بأعداد كبيرة، ويقول إن الإحصاءات تشير إلى تسريح ما يقارب من 140 ألف عامل يعملون في قطاع السياحة، بالإضافة إلى خسارة تبلغ حوالي 144 مليون دولار سنويا جراء الأعمال الإرهابية .

ويؤكد التقرير أن عائدات النشاط الملاحي انخفضت في مختلف الموانئ نتيجة لارتفاع أقساط التأمين على البواخر والبضائع الواصلة إلى الموانئ اليمنية بنسبة 350% تحت ما يسمى مخاطر الحرب، وهو ما أدى إلى ارتفاع أجور الشحن وارتفاع أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية الأخرى في الأسواق اليمنية، كما أحجمت الكثير من الشركات الاستثمارية وأصحاب رؤوس الأموال عن تنفيذ المشاريع الاستثمارية المقرر تنفيذها والمقدرة بملايين الدولارات مما تسبب في ضياع الكثير من فرص العمل وارتفاع نسبة البطالة .

بالإضافة إلى ذلك تعرض القطاع المالي والمصرفي لأضرار وهزات اقتصادية نتج عنها خسائر كبيرة، بحسب التقرير، كما تأثرت سلباً التحويلات المالية من قبل المغتربين في الخارج، وهو ما جعل الحكومة مضطرة إلى زيادة مخصصات الإجراءات الأمنية والتدابير الاستثنائية التي تتطلبها عملية مكافحة الإرهاب والتطرف .

فوق ذلك تم تجميد الكثير من المشاريع الخدمية والتنموية بهدف توفير المبالغ المالية اللازمة للإجراءات والتدابير الأمنية الاستثنائية التي تتطلبها عملية مكافحة ظاهرة الإرهاب، ما أدى إلى استنزاف كثير من الموارد المالية التي كانت معدة أصلاً لتطوير التنمية ورفع مستوى البنية التحتية، حيث تم تحويل هذه الأموال المخصصة أصلاً للأعمار والتنمية، إلى مجال تحديث الوسائل الأمنية وتزويدها بالمعدات والإمكانات اللازمة لنجاح عملية مكافحة الإرهاب .

ودفع اليمنيون المئات من الضحايا في العمليات التي تم تنفيذها في مناطق مختلفة من البلاد، وهي كلفة كبيرة جداً .