احمد عبدالملك

نشرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بياناً قبل مدة نددت فيه بالمشروع بقانون الذي صوت له أغلبية أعضاء مجلس النواب الأميركي - في سبتمبر الماضي - بعقاب القنوات الفضائية العربية التي يعتبرونها ''معادية للولايات المتحدة''.
وقالت الشبكة إن هذا التصرف يعتبر ضربة موجعة لحرية التعبير، ويمثل تراجعاً حاداً وإضافياً لوعود الرئيس الأميركي بإصلاح سجل الولايات المتحدة السيئ في مجال الحريات المدنية والسياسية سواء على الصعيد الأميركي المحلي أو العالمي.
ونوهت الشبكة إلى الخلط الحاصل بين تأييد قنوات فضائية عربية للمناضلين الفلسطينيين لرفع العدوان الإسرائيلي عنهم؛ أو مقاومة العراقيين للاحتلال الأميركي، وبين الإرهاب.
وكانت أغلبية من مجلس النواب ''395 عضواً من إجمالي الأعضاء البالغ عددهم 495 عضواً''، قد صوتت لفرض عقوبات على الفضائيات التي تبث مواد إعلامية قد تُفسر بأنها ''معادية للولايات المتحدة''؛ واعتبار مالكي هذه الفضائيات يشرفون على ''منظمات إرهابية''.
وقد دعت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان كل المؤسسات الحقوقية المدافعة عن حرية التعبير وعن حرية الصحافة لإدانة ذاك المشروع، وحث الولايات المتحدة على إصلاح ذلك الخطأ بالتراجع عنه.
المشكلة عندنا في إطلاق المصطلحات دون تمحيص في مقاصدها أو مضامينها أو دلالاتها! فنحن حتى اليوم لا يوجد لدينا تحديد متفق عليه لمصطلح ''الحرية'' على كافة الصعد وليس الإعلام فقط. فالحاكم له حرية، ونائبه له حرية، والوزراء لهم حرية، والنواب لهم حرية، وسائق التاكسي له حرية - يمكنه رفض التوقف لك - وجامع القمامة له حرية - يمكنه حذف منزلك من أجندته اليومية بشتى الأعذار. ولا خلاف على تلك الحريات! لكن السؤال: ما مدى واشتراطات تلك الحريات؟!. وندخل هنا في إشكالية ''حدود الحرية'' هل يعني ذلك ''قمع الحرية''؟! وهذا مفهوم غير دقيق، ويحتاج إلى نقاش طويل.
وحتى في الولايات المتحدة، وهي أكثر الدول انفتاحاً في مجال حرية التعبير، نجد ضوابط قانونية تضعهـــا الهيئــة الفدراليـــة للاتصال ''Federal Communication Commission'' وهي لجنة مستقلة ومسؤولة مباشرة أمام الكونغرس عن منح تراخيص الإعلام وتقنين الإعلام الأميركي على النطاق المحلي والخارجي. كما أن من ضمن قوانين اللجنة حماية المصالح القومية العليا للولايات المتحدة وإن تعارض ذلك مع مبدأ حرية الإعلام التي تروّج لها الإدارة الأميركية. وتلاحق تلك الهيئة أية مخالفات محلية أو دولية تتعارض مع قوانينها وتفرض عليها العقوبات اللازمة. ولماذا لا تعتبر تلك الهيئة الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة على أنها إضرار بالأمن القومي العربي، وتطبّق معاييرها على تلك الأحداث؟! ثم كيف تتعامل وسائل الإعلام الأميركية في حال سقوط عشرة أطفال برصاص قوات الاحتلال!؟ أو سقوط خمسة من جنودها في العراق أو أفغانستان؟! إن الحدث يفرض نفسه، مهما حاولنا تغيير الكلمات أو وضع ''كلمات متشابهة'' كي ننحاز لطرف أو نقلل من عدوانية الطرف الآخر.
الشاهد هنا، كيف تُنعت فضائيات عربية وغيرها بأنها تدعم الإرهاب؟! ومن المؤسف، أن تتناول فضائية عربية حدثاً في الأراضي العربية المحتلة وتنشر ممارسات الجيش الإسرائيلي الخارجة على القانون، وقانون الاحتلال نفسه، وتُنعت هذه الفضائية بأنها تدعم الإرهاب؟! وحتى مصطلح الإرهاب نفسه مرتبك في دوائر القرار ويتم تفسيره حسب موقف الشخص أو موقع الجماعة! ويذهب كثيرون في الغرب إلى أن مخالفة المذهب أو الدين يعتبر مظهراً من مظاهر الإرهاب، ناهيك عن الصور النمطية واللباس.
نحن لا نستطيع نفي مساحة حرية التعبير الذي تتمتع به وسائل الإعلام الأميركية والغربية، ونحن في العالم العربي ليس لدينا نصف تلك المساحة؛ لكننا أيضاً لا نسمح بأن تسيطر الدوائر الصهيونية على الإعلام الأميركي أو دوائر القرار فيه، وتمرر مشروعات قاسية ضد كل وسيلة تفضح الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، أو الإخفاقات الأميركية في العراق وغيرها من منطق التوتر في العالم. ذلك أن الإعلام الأميركي نفسه يحاسب قادة بلاده عن الخسائر في الأرواح والممتلكات الأميركية في المناطق الملتهبة من العالم.
لذلك فإن مشروع قانون مجلس النواب يجب أن يسقط، لأنه حقاً لا يليق بسمعة الولايات المتحدة، ودورها في الترويج لثقافة الإعلام الحر والحريات العامة، ومحاولاتها - التي وصلها الوهن - لنشر قيم الديمقراطية في كل أنحاء العالم.