للمرة الأولى في تاريخ القضاء المصري

القاهرة - عبدالغني عبدالرازق


شهد الوادي الفارغ بمنطقة وادي النطرون مذبحة بشرية راح ضحيتها 11 شخصا بسبب النزاع على قطعة أرض مساحتها 1500 فدان بين شركة الأمل التابعة للطيار محمود سالم وجمعية العدالة التي تضم رجال القضاء والنيابة، ونتيجة هذا النزاع استعان كل فريق بمجموعة من البلطجية -بحسب اعتراف المتهمين أنفسهم- ليكون الثمن سقوط 11 قتيلا هم حراس الأرض الذين لا مصلحة لهم في القتل، ليتم بعد ذلك الحكم بإعدام 24 شخصا في مفاجأة غير متوقعة، ليكون أول حكم تاريخي في مصر يصدر بإعدام هذا العدد الكبير من الأشخاص.
ويعود تاريخ الواقعة إلى 4 مارس 2008 عندما تقدم شخص يدعى البدري محمد أحمد ليبلغ بأن قطاع طرق اعتدوا عليه هو وأحد أقاربه يدعى أبوحسيبة عبدالعظيم محمد (٤٥ سنة) عندما توجه الاثنان لشراء محصول طماطم، فاعترضهم قطاع الطرق وأطلقوا عليهم النار، ليتم العثور بعد ذلك على جثة أبوحسيبة ملقاة على الطريق العام أمام معهد مندوبي الشرطة في وادي النطرون، وتبين أنه من أسيوط، ويعمل بالزراعة في وادي النطرون وتبين أنه الشخص المبلغ عنه بالفعل. وفور وقوع الحادث انتقلت قوة من رجال الشرطة والأمن المركزي تحت إشراف اللواء مجدي أبوقمر مدير الأمن واللواء مصطفى البرعي مدير المباحث، حيث تم فرض سياج أمني حول المنطقة، وعمل عدد من الأكمنة على الطرق الفرعية والرئيسية، وتمشيط الأراضي الصحراوية المجاورة لمحاصرة الجناة وضبطهم، وقد كشفت التحريات الأولية عن مفاجأة غير متوقعة وهي وجود نزاع بين شركة quot;الأملquot; التي يترأسها الطيار محمود سالم وجمعية quot;العدالةquot; وتضم رجال القضاء والنيابة العامة بالغربية والتي يمثلها المستشار السابق حسنين محمود خليل.
كما دلت التحريات على سابقة وقوع مناوشات بين الطرفين وتحرير محاضر بأقسام الشرطة، وعليه قام مالك الشركة بعمل عقد حراسة وجلب rlm;20rlm; شخصا من محافظات الصعيد لحراسة الأرض، بينما استعانت الجمعية بأشخاص من عرب وادي النطرون، ووقع الاشتباك بين الطرفين المدججين بالأسلحة النارية كالآتي، حيث كان عرب من وادي النطرون تابعون للجمعية يقيمون في منزل بالأرض، فأطلق بعض المسلحين أعيرة نارية، وعندما خرج عرب وادي النطرون لاستطلاع الأمر، كانت هناك مجموعة تختبئ بالقرب من المنزل وأطلقوا عليهم النيران لأكثر من نصف الساعة، ما أدى لسقوط rlm;10rlm; ضحايا، ليصبح عدد القتلى بذلك 11 شخصا، ونقلت الجثث إلى مشرحة المستشفى العام، ونقل المصابون لمستشفى اليوم الواحد بوادي النطرون، وكانت هناك صعوبة كبيرة في التعرف على الجثث؛ لأن الجناة جردوا القتلى من بطاقاتهم الشخصية وهواتفهم المحمولة حتى تختفي شخصياتهم، ولكن تمكنت المباحث في اليوم الثاني من التعرف على ست جثث وهم: علي سيف النصر عبدالجليل مقيم بمنطقة الجزاير، وصابر عيد حمد سليمان مقيم بحلوان بالقاهرة، والسيد ناجي درويش الجزار، وعبدالهادي صابر حكيم حنيش، وأبوحسيبة عبدالعظيم محمد علي، وجمعة ضيف عبدالعاطي، ليتمكن الأهالي بعد ذلك من التعرف على بقية الجثث. وبناء على ذلك أمرت نيابة جنوب البحيرة بضبط الأطراف المتشاجرة، فتم القبض على ٢٩ متهما في القضية، ووجهت لهم النيابة العامة تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد لـ11 شخصا هم: هشام عبدالقادر، وأبوحسيبة عبدالعظيم محمد، والهادي صابر حكيم، وسعيد عبدالرزاق الضبع، وصابر عيد حمد سلمان، والسيد ناجي درويش، وعريف مراجع جمعة، وعلي سيف النصر عبدالجليل، وجمعة ضيف عبدالعاطي، وحسني سالم رضا، ورضا فكري علي. إضافة إلى أنه قد اقترن بالقتل العمد جناية أخرى هي الشروع في قتل 13 شخصا آخرين. أما التهمة الثالثة فهي حيازة أسلحة نارية بدون ترخيص (بنادق آلية). ونتيجة ذلك اعترف المتهمون أن الأطراف المتنازعة على قطعة الأرض هم الذين قاموا بتحريضهم على قتل كل من يعترضهم، وهم الطيار محمود سالم رئيس شركة الأمل، والمستشار السابق حسين محمود خليل رئيس جمعية العدالة.
وبناء على ذلك، أمرت نيابة جنوب البحيرة باستدعاء كل من المستشار السابق حسين محمود خليل، والطيار محمود سالم وشقيقه مصطفى، وبالفعل تم استدعاؤهم فأنكروا التهم الموجهة إليهم، وقالوا بأنه لا علاقة لهم بالمتهمين، فأمرت النيابة العامة باستبعاد تهمة التحريض على ارتكاب الجريمة لعدم توافر الأدلة الكافية على وقوعها، رغم أن تحريات المباحث قد أشارت إلى وقوع تحريض، ولكن النيابة وازنت بين الأدلة واستبعدت التحريات، وبناء على ذلك أحال المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام المتهمين إلى محكمة جنايات البحيرة بتهمة القتل المتعمد مع سبق الإصرار والترصد.
وفي محكمة الجنايات، طالب محامي المتهمين باستدعاء كل من المستشارين أحمد حسن خلوصي وحسين محمود خليل والطيار محمود محمد سالم وشقيقة مصطفى محمد سالم، استنادا إلى اعتراف المتهمين بأنهم المحرضون على ارتكاب الجريمة، ولكن المحكمة لم تستجب لطلب دفاع المتهمين، وهو آخر أمل كان الدفاع يعتمد عليه؛ ولذلك لم يعد أمام الدفاع سوى أن يطالب بتخفيف العقوبة على المتهمين؛ لأنهم في النهاية حراس للأرضي المتنازع عليها؛ لأن المحكمة كانت قد أخذت بالتكييف الذي أعطته النيابة العامة للواقعة، وهو القتل المتعمد مع سبق الإصرار والترصد، فمعنى ذلك أن العقوبة ستكون الإعدام شنقا، وهو ما حدث بالفعل في جلسة 18 مايو 2009، حيث قررت محكمة جنايات البحيرة إرسال أوراق 24 متهما في مذبحة وادي النطرون إلى مفتي الديار المصرية للأخذ برأيه في إعدامهم شنقا وهم أبوحسين عبدالعظيم، وجمعة علي، وجمعة محمد، ورمضان عبدالله، وأحمد عبدالله، وراضي حشيش، ونصرالله عبدالعزيز، وفرج أبوبكر، ومحمد الغامري، وياسر سويلم، وعصام سلومة، وعطية عبدالحليم، والبدري محمد، وإسماعيل علي، وعبدالله علي، ورجب عبدالله، وعبدالله عبدالكريم، ومحيي الدين السيد، وصلاح إسماعيل، وجالس عبدالرؤوف، وعواد عمر، وعلام أحمد، وأسامة فراج، وجمال إسماعيل. فيما أرجأت الحكم على 6 آخرين من باقي المتهمين بالقضية لشهر يونيو القادم لصدور الحكم على جميع المتهمين.
وفي 13 يونيو 2009 قضت محكمة جنايات دمنهور برئاسة المستشار محمود سمير وعضوية المستشارين سعيد يوسف محمد وعبدالله عبدالسميع خطاب وأمانة سر إبراهيم محمد المتولي بالإعدام شنقا غيابيا على تسعة متهمين وهم نصرالله عبدالعزيز منصور، ومحمد العمري العزب غنيم، وجمال إسماعيل جمعة، وعصام سلومة أبوعزيزية، وجالس عبدالرؤوف عبدالعظيم، وعواد عمر علي، وعلام أحمد محمد، وأسامة فراج محمد إبراهيم، وأحمد إسماعيل علي عبدالله.
كما حكمت بالإعدام حضوريا على 15 متهما هم: جمعة علي صالح الشهير بأبومريم، وجمعة محمد أحمد الصياد، ورمضان عبدالله مفتاح سليمان، وأحمد عبدالله مفتاح سليمان، وراضي علي عبدالرؤوف، وفراج أبوبكر، وياسر سويلم أحمد سليمان، وعطية عبدالحليم نصرالله، والبدري محمد أحمد، وإسماعيل علي عبدالله، وعبدالله علي عبدالله، ورجب عبدالله علي محمد، وعبدالله حامد أحمد عبدالكريم، ومحيي الدين السعيد عبدالرحمن، وصلاح إسماعيل محمد البدري.
كما حكمت بالمؤبد على كل من أسامة محمد علي يوسف الشهير بـ quot;أسامة بانجوquot;، ونور عطا الله مفتاح عبدالجليل، وحسن محمد بركات مصطفى، وإبراهيم أبوزيد إبراهيم علي، وإبراهيم محمد إبراهيم عوض، وبرأت المحكمة الحدث محمد عثمان علي محمدين لعدم تواجده بالواقعة. كما قضت المحكمة بمصادرة الأسلحة المستخدمة في الحادث وسيارتي نقل رقم quot;39664quot; الإسكندرية و quot;45460quot; البحيرة، وإلزام كل من البدري محمد أحمد علي، وإسماعيل علي عبداللاه، وعبداللاه علي عبداللاه، ورجب عبداللاه محمد، وعبدالله حامد أحمد، ومحيي الدين السيد عبدالرحمن، وصلاح إسماعيل البربري، بتعويض مدني مؤقت لمحروسة السيد أحمد والدة أحد الضحايا قدره 2001 جنيه.
وبمجرد أن صدر الحكم، ثار المتهمون داخل قفص الاتهام وبعضهم قال: quot;لم تستطيعوا محاكمة الكبار فأعدمتم الصغار، ليس لنا علاقة بتلك القضية، والمتهمون الحقيقيون يجلسون الآن داخل قصورهم وفيللهم، بينما نحن المتهمون المقبوض علينا مجرد خفراء نحرس لهم أملاكهم، وفي النهاية نعاقبquot;. والجدير بالذكر أن المتهمين تقدموا بطلب إلى محكمة النقض لنقض الحكم.
ويعتبر هذا الحكم هو الثاني من نوعه من حيث عدد المحكوم عليهم بالإعدام، بعد الحكم المثير الذي أصدرته محكمة الجنايات بمحافظة كفر الشيخ في مارس الماضي والقاضي بمعاقبة عشرة متهمين بالإعدام شنقا، منهم ثمانية متهمين حضوريا ومتهمان غيابيا، والحبس 15 عاما لحدث، بعد إدانتهم باختطاف سيدة من منزلها واغتصابها بالقوة وسط الزراعات.