محمد الصياد
تنجح القاعدة في ldquo;زرعrdquo; أحد أفرادها بين زحمة ركاب إحدى رحلات الطيران الأمريكية المتجهة إلى ولاية ديترويت الأمريكية وذلك بهدف تفجير الطائرة وقتل جميع ركابها وطاقمها البالغ عددهم أكثر من 300 راكب وإحداث صدمة سياسية ونفسية ومعنوية لدى النظام السياسي الأمريكي والأمريكيين عامة، ليلة أعياد الميلاد، لولا أن ldquo;القنبلة البشريةrdquo; فشلت هذه المرة، في آخر لحظة، في نزع فتيلها أو صاعق تفجيرها، وتمكُّن ركاب الطائرة من السيطرة على الإرهابي.
وقبل فترة وجيزة من ذلك حاولت القاعدة تحقيق اختراق أمني جديد داخل الولايات المتحدة والقيام بعملية إرهابية نوعية، إلا أن أجهزة الأمن الأمريكية نجحت في إلقاء القبض على الإرهابي المكلف بالمهمة.
إنما في المرة الثالثة، وحيث تمكنت القاعدة من تضليل وخداع المخابرات الأمريكية بإيهامها بتحول أحد عناصرها للعمل لمصلحة المخابرات المركزية الأمريكية، بينما كان في الواقع يعمل عميلاً مزدوجاً لدى الطرفين، في هذه المرة، وبعد بضعة أيام فقط على فشل محاولة تفجير طائرة ديترويت، نجحت القاعدة بواسطة عميلها المزروع من قتل 7 من عملاء الrdquo;سي.آي.ايهrdquo; في أفغانستان في ضربة أمنية موجعة لإدارة أوباما وأجهزتها الأمنية.
بالمقابل تنشط الولايات المتحدة في حربها المفتوحة على الإرهاب منذ أن باغتتها القاعدة بهجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 الإرهابية، مجندة في ذلك ومستنفرة كافة إمكاناتها وأجهزتها الأمنية، حيث كانت خصصت فيلقاً سرياً تقوم بتنفيذ عمليات تصفية واغتيالات في الخارج في تكتم شديد، وكان يرفع تقاريره مباشرة إلى نائب الرئيس السابق ديك تشيني من دون علم المؤسسة التشريعية الأمريكية. ورغم انكشاف هذا الأمر إلا أن الأجهزة الأمنية الأمريكية، لا سيما الrdquo;سي.آي.ايهrdquo; لا تزال تقوم بدور نشط في هذا المجال، على صعيد جمع المعلومات والملاحقة والاختطاف والتصفية الجسدية.
أسطع مثال هنا تقدمه لنا الغارات التي تشنها طائرات التجسس الأمريكية التي تطير من دون طيار وتنفذ عمليات ldquo;جراحية دقيقةrdquo; داخل معقل القاعدة الرئيسي، أي المنطقة القبلية الباكستانية المحاذية لأفغانستان، حيث زادت فعالية وكثافة هذه الطلعات في الأشهر القليلة الماضية وبلغت عمليات القصف الصاروخي الموجه التي نفذتها في العام الماضي وحده 44 غارة قتلت خلالها أكثر من 700 ممن استهدفتهم من عناصر القاعدة المتموضعين في وزيرستان.
وفي حين اجتمع الطرفان وحاربا تحت راية محاربة الشيوعية كإطار ايديولوجي جامع استخدماه لتحريض واستنهاض واستقطاب الشباب المسلم والزج به في ميدان القتال في أفغانستان، فإنهما اضطرا للبحث عن محرض ايديولوجي لكل منهما بعدما افترقا وانتقلا إلى مرحلة الصدام والحرب المفتوحة التي ما زالت مندلعة بينهما إلى اليوم، وذلك من أجل تبرير حربهما ضد بعضهما بعضاً ولإذكاء جذوة الكراهية والانتقام لدى محازيبهما من الدول والجماعات والأفراد.
وكان أن نجح الطرفان في تحقيق الاستقطاب المطلوب لتعزيز صفوفهما في المعركة التي قررا خوضها كل وفقاً لإمكاناته ومصالحه وحساباته، فحولا العالم بأسره إلى ساحة حرب مفتوحة يتناطحان فيها غير عابئين بالضحايا الأبرياء الذين يسحقونهم في خضم تطاحنهما الدموي، وبآثار هذه الحرب المدمرة على الدول والمجتمعات والأفراد الذين زُج بهم على الضد من إرادتهم في هذا الصراع المجنون.
هي إذاً حرب انحراف واصطدام المصالح مغلفة بأغلفة ايديولوجية لاهوتية وأخلاقية انتقاها الطرفان بعناية شديدة لإيقاع أكبر قدر من التأثير بواسطة خطابيهما التبشيريين على ldquo;أسواقهما البشريةrdquo; المستهدفة. ففي مقابل أجهزة الميديا الغربية الاخطبوطية التي تم تجنيدها في الحرب الإعلامية والنفسية ضد القاعدة وفكرها الاستئصالي المدمر، واستخدام التكنولوجيا المتقدمة لرصد ومتابعة مواقع القاعدة على شبكة الانترنت والتشويش عليها أو استغلالها دعائياً بتقديمها لكتلة المتلقين عبر العالم بوصفها دلائل على الطبيعة الإرهابية والهمجية التي يتصف بها منظرو ومنفذو الفكر المتطرف، في مقابل ذلك سارع قادة تنظيم القاعدة منذ البداية إلى إلباس معركة تصفية الحسابات بينهم وبين حليفهم السابق جهاز الrdquo;سي.آي.ايهrdquo; وبقية المنظومة الأمنية الأمريكية ومستواها السياسي ldquo;البيضاويrdquo;، لبوس الدين، إذ اعتبروا أنهم إنما يخوضون معركة نيابة عن الإسلام والمسلمين ضد الغرب الكافر أو أحفاد الصليبيين الذين يستهدفون الإسلام والمسلمين.
اللافت والغريب في الأمر أنه مثلما أن الولايات المتحدة لا تستهدف التطرف وهو مصدر الإرهاب وإنما تستهدف المتطرفين المتحولين إلى إرهابيين، فإن القاعدة بالمقابل لا تستهدف ldquo;إسرائيلrdquo; بالرغم من أنها تعتبر بمثابة ولاية أمريكية غير متوجة وإنها أكثر من آذى العرب من الدول الغربية التي لم توفرها يد القاعدة. حيث بقيت ldquo;إسرائيلrdquo; بمنأى ومأمن من استهدافات القاعدة وعملياتها.
وبقدر ما يثير هذا الأمر علامات التعجب والاستفهام بقدر ما يدلل على الطبيعة الثأرية الحصرية للحرب بين حلفاء الأمس. واليوم وبعد مرور عشر سنوات من ldquo;تدشينهاrdquo; فإن هذه الحرب العدمية راحت تطاول أعلى ذرى الطيش والجنون الجنائزي، مدخلة العالم في دوامة التيه واللايقين الكاتمين على أنفاس سكانه بمجملهم.
التعليقات