مصطفى زين


لكل من الولايات المتحدة وإيران وسورية التي توافقت على دعم نوري المالكي، laquo;من دون تنسيقraquo; كما قال الرئيس جلال طالباني، أسبابها. واشنطن ترى فيه laquo;رجل دولةraquo; تصدى للميليشيات الشيعية، خصوصاً laquo;جيش المهديraquo;، واستطاع إجبار زعيمه مقتدى الصدر على حله، وزج قادته في السجون، واللجوء إلى إيران لإكمال علومه الدينية. وتراهن واشنطن على استمرار المالكي في سياسته كي يبعد ألد أعدائها في العراق عن السلطة.

فضلاً عن ذلك، استطاع المالكي خلال فترة حكمه السابقة إجراء مصالحة مع شريحة كبيرة من العشائر السنية ونجح، بمساعدة الجيش الأميركي، في تشكيل laquo;الصحواتraquo; التي طردت تنظيم laquo;القاعدةraquo; من مناطقها، وأصبحت رأس الحربة في محاربة هذا التنظيم بعدما سيطر على معظم المدن والقرى السنية، ما أتاح الفرصة لواشنطن لسحب قواتها.

هذا عن الولايات المتحدة. أما الأسباب الإيرانية لدعم المالكي فيمكن تلخيصها في أن طهران ترى فيه رجلها القوي في العراق. دافع ويدافع عن مصالحها. على رغم محاربته بعض أنصارها، إلا أنه بقي وفياً لها. لم يثر في أي يوم مسألة نفوذها المتزايد، على رغم الضغوط الأميركية الهائلة عليه. وهو الأقوى بين السياسيين الشيعة، إذ ان شعبية laquo;المجلس الأعلىraquo; تراجعت كثيراً بعد وفاة زعيمه عبد العزيز الحكيم، وتحول laquo;منظمة بدرraquo; إلى العمل السياسي. وإلى مصالحها، تأخذ إيران في الاعتبار أن المالكي زعيم حزب laquo;الدعوةraquo;، صاحب الأيديولوجيا القريبة من أيديولوجية زعمائها السياسيين-الدينيين. ولا تنسى تواضعه عندما يخلع ربطة عنقه في laquo;حضرةraquo; المرشد علي خامنئي. أما الصدر، فعلى رغم قوته شعبياً وتوافقه مع سياستها، فما زال في طور المراهقة السياسية، لم يثبت جدارته في إدارة حزب فكيف إذا تسلم الحكم. يبقى أحمد الجلبي الذي اتهمته أميركا بالتعامل مع طهران وساهمت في إضعافه. لا شعبية للجلبي. ولا يستطيع منافسة أحد. حاول تأسيس laquo;البيت الشيعيraquo; بالتوافق مع المرجعية في النجف لكنه فشل فلجأ إلى laquo;التحالف الوطنيraquo; ليحتمي بعباءة زعمائه. وهو لم يستطع تحقيق أي نتيجة في الانتخابات.

إيران نأت بنفسها عن الخلافات الشيعية-الشيعية في العراق. واختارت الأقوى صاحب التجربة، أي المالكي.

ما الأسباب التي جعلت سورية تدعم المالكي، بعدما كانت كل المؤشرات ترجح توافقها مع السعودية على دعم إياد علاوي؟

في جانب ما تتعاطى دمشق مع الملف العراقي تعاطيها مع الملف اللبناني. ترى أنه لا بد من مشاركة الجميع في الحكم، نظراً إلى تعذر وصول أي حزب، خصوصاً أصدقاءها، بمفرده إلى السلطة. هذا ما أعلنه وزير خارجيتها وليد المعلم الذي قال في نيويورك إن تشكيل حكومة من لون واحد ومعارضة من ألوان مختلفة، لا يناسب العراق في هذه المرحلة. هي مع المالكي ولكنها ليست ضد الآخرين، خصوصاً علاوي. أي أنها مع سلطة متوازنة تجمع الأقوياء، ولا تستبعد أحداً، فمن تؤيدهم فعلاً لا يستطيعون إدارة العراق من دون الآخرين الذين أثبتوا حضورهم خلال السنوات الماضية، لذا تضغط كي يكون هؤلاء في مواقع مؤثرة، ولو كانت الرئاسات لآخرين. هي اللعبة أو laquo;الحنكةraquo; السورية في إدارة الأزمات والإمساك بالخيوط. سورية استطاعت، قبل تشكيل الحكومة العراقية، انتزاع بعض التنازلات من المالكي. حكومته ستعيد سفيرها إلى دمشق. ورئيسها ارسل رسالة إلى الأسد، واعداً بتحسين العلاقات بين البلدين، بعدما سار مع الأميركيين في السابق وكال لها اتهامات، أبسطها أنها مسؤولة عن كل أعمال الإرهاب.

هي البراغماتية السورية المعهودة. لا تقف عند التفاصيل. ولا تتعامل مع الآخرين بمنطق الثأر. ما يهم دمشق أن تعزز دورها، كائناً من كان رئيس الوزراء. وهي البراغماتية الإيرانية والأميركية أيضاً.

توافق الجميع على المالكي أما التوافق على العراق فمسألة أخرى.