بغداد - زيدان الربيعي


بقي ldquo;ائتلاف دولة القانونrdquo; الذي يتزعمه رئيس الحكومة العراقية المنتهية ولايتها نوري المالكي، والذي فاز بالمركز الثاني في الانتخابات العراقية الأخيرة بعد أن حصل على 89 مقعداً، يوجه النقد واللوم وفي بعض الأحيان تهم ldquo;التآمرrdquo; والخضوع للأجنبي إلى الكثير من الكتل والكيانات والأحزاب والشخصيات السياسية التي كانت تتحرك في الإطار الإقليمي، كونه كان يعتقد أن هذا التحرك يهدف إلى منح الدول الإقليمية موطئ قدم في مسألة تشكيل الحكومة العراقية التي طال انتظارها . حيث كان قادة وأعضاء وحتى جماهير ائتلاف دولة القانون يشمئزون كثيراً من المحاولات التي يقوم بها الساسة العراقيون التي تهدف إلى إشراك دول الإقليم في هذه المسألة، ويؤكدون أن قضية تشكيل الحكومة هي قضية عراقية صرفة يجب أن يتم الاتفاق عليها داخل العراق، وليس عبر الجولات المكوكية بين عواصم الدول العربية والإقليمية وحتى الدولية .

لكن في الآونة الأخيرة اتضح للجميع أن ائتلاف المالكي لم يعد يغرد خارج السرب . فبعد أن وجد أن مسألة بقائه أسيراً للحراك الداخلي ldquo;العقيم جداًrdquo; سيضيع كل طموحاته الرامية للاحتفاظ بمنصب رئاسة الحكومة العراقية الجديدة . لذلك اشتغلت الدبلوماسية الإيرانية التي باتت تتحكم كثيراً بملف تشكيل الحكومة العراقية بحسب الكثير من المتابعين للشأن العراقي لتفتح منفذاً جديداً في العلاقة ما بين زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي والقيادة السورية، وتحديداً الرئيس السوري بشار الأسد، حيث كانت العلاقات بين المالكي والأسد قد وصلت إلى مرحلة القطيعة بعد أن اتهمت الحكومة العراقية سوريا بإيواء قيادات حزب البعث العربي الاشتراكي ldquo;العراقي المنحلrdquo; لديها، وطالبتها بتسليمها كي تحاكمها، إلا أن القيادة السورية رفضت هذا الطلب، وذكّرت المالكي عندما كان لاجئاً لديها أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين قد طالبها بتسليمه له لكي ينفذ حكم الإعدام الصادر بحقه، لكنها رفضت هذا الطلب وبقي المالكي مقيماً فيها حتى سقوط نظام صدام حسين في عام 2003 على يد قوات الاحتلال الأمريكي . كما اتهمت حكومة المالكي هذه القيادات البعثية العراقية بتدبير انفجارات الأربعاء الدامي في شهر أغسطس/ آب من عام 2009 والتي استهدفت مباني وزارتي الخارجية والمالية، وأدت إلى سقوط العشرات من القتلى والجرحى وعلى إثرها تم سحب السفير العراقي في دمشق وكذلك فعلت سوريا .

وفعلاً نجحت المساعي الإيرانية، وكذلك التحرك الذي قام به بعض أعضاء ائتلاف دولة القانون، وتحديداً النائبين علي الدباغ وعزة الشاهبندر من زيارات إلى دمشق في إقناع الجانب السوري باستقبال وفد رفيع المستوى من ائتلاف دولة القانون قبل أسبوعين، حيث قام وفد ائتلاف دولة القانون بمقابلة الرئيس السوري بشار الأسد، وتم تسليمه رسالة خطية من زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي دعا فيها إلى تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين . وذكرت مصادر مطلعة في الائتلاف أن رسالة المالكي للأسد كانت تتعلق بالعلاقات الثنائية بين سوريا والعراق وأهمية تعزيزها وتطويرها في المجالات كافة، بما يخدم مصالح البلدين، حيث نقل عن الأسد تأكيده على حرص بلده على إقامة أفضل العلاقات مع العراق ودعم أمنه واستقراره ووحدة أراضيه وشعبه .

وبحث الأسد مع وفد المالكي المستجدات المتعلقة بالجهود المبذولة من أجل تشكيل الحكومة وأهمية مشاركة جميع مكونات الشعب العراقي فيها وأن تحظى بتأييده بما يسهم في تحصين وحدة العراق وأمنه واستقراره واستعادة دوره العربي والدولي .

وفي المقابل أكد أعضاء وفد ائتلاف دولة القانون الذي التقى الأسد أن العلاقة مع سوريا طبيعية وتاريخية، وأن هذه العلاقة استراتيجية وتوجد مصالح مشتركة لتوطيد أواصرها، لافتين إلى تفهم سوريا لبعض تصريحات السياسيين والإعلاميين العراقيين وتجاوزها بعد تبادل وجهات النظر بين البلدين خلال مراحل العملية السياسية في العراق .

أسباب الزيارة

إن هناك أسباباً معينة لزيارة أعضاء من ائتلاف دولة القانون إلى سوريا في هذه المرحلة بالذات . وإن السبب الأهم في هذا الإطار هو الدعم الأمريكي المفاجئ للمالكي في صراعه الدائر الآن مع حلفائه بالأمس (الائتلاف الوطني العراقي بزعامة عمار الحكيم)، ومع خصومه في ldquo;الكتلة العراقيةrdquo; بزعامة رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي . حيث أرادت الإدارة الأمريكية أن يقوم المالكي بالتحرك نحو سوريا التي سبق لخصومه من السياسيين العراقيين أن قاموا بزيارتها بعد الانتخابات، أمثال إياد علاوي، وعمار الحكيم، وعادل عبدالمهدي، ومقتدى الصدر، والتباحث معها حول الأمور المتعلقة بمسألة تشكيل الحكومة الجديدة . لذلك أراد المالكي أن يعيد العلاقة مع دمشق مستغلاً بعض الجوانب الاقتصادية التي تحتاجها دمشق من الحكومة العراقية في الوقت الراهن . وبالفعل أفلحت هذه المحاولات في مبادرة رئيس الحكومة السورية محمد العطري في إجراء اتصال هاتفي مع المالكي قبيل زيارة وفد ائتلاف دولة القانون إلى دمشق . حيث شجع هذا الاتصال المالكي لكي يوجه رسالة خطية إلى الرئيس السوري بشار الأسد شرح فيها تصوراته لما يجري الآن من مباحثات حول تشكيل الحكومة العراقية الجديدة . وقد وجدت هذه الرسالة ردود أفعال جيدة لدى الجانب السوري، والدليل على ذلك أن الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية علي الدباغ أعلن بعد الزيارة بأيام قلائل جداً الموافقة على تأسيس تعاون استراتيجي وفني واقتصادي في مجال نقل وتصدير النفط الخام بين حكومة جمهورية العراق وحكومة الجمهورية العربية السورية، يتضمن إنشاء مشروع لنقل النفط الخام العراقي إلى موانئ التصدير في ساحل البحر الأبيض المتوسط السوري عبر الأراضي السورية، وتوسيع وتطوير التعاون الاقتصادي مع الجمهورية العربية السورية بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين الشقيقين .

وأشار الدباغ إلى أن مشروع نقل النفط الخام هذا يأتي انسجاماً مع توجه الحكومة العراقية لتطوير القطاع النفطي والنهوض به بمستويات تتناسب والحاجة الفعلية الحالية لزيادة الطاقة الإنتاجية والتصديرية للنفط الخام والتي تسهم بشكل فعال في حركة البناء والأعمار في العراق من خلال رفع سقف التصدير بفتح آفاق جديدة في عملية نقل النفط الخام وتصديره .

وأوضح الدباغ أن الجانب العراقي اقترح أن يتم تنفيذ المشروع بأسلوب (BOT - بناء - تشغيل - نقل الملكية) في كلا البلدين، حيث يتألف المشروع من خط أنبوب بطاقة 25 .1 مليون برميل/ يومياً لنقل النفط الخام الاعتيادي مع كافة المنشآت اللازمة وخط أنبوب بطاقة 5 .1 مليون برميل/ يومياً لنقل النفط الثقيل مع كافة المنشآت اللازمة وخط غاز بطاقة مناسبة مرافق للخطين السابقين لتأمين الوقود اللازم لتشغيل محطات الضخ على طول مسار الخطين في كلا البلدين، وبيّن الجانب السوري توفر مسارات للخطوط الثلاثة المقترحة من الحدود العراقية السورية إلى الساحل السوري وبموازاة الخطوط الحالية لنقل النفط الخفيف العائدة للشركة السورية لنقل النفط، وإمكانية الاستفادة من البنى التحتية المتوافرة حالياً على هذا المسار .

وأضاف الدباغ أنه سيتم تشكيل فريق فني عراقي سوري مشترك لإعداد الوثائق اللازمة والدراسات التصميمية والفنية للمشروع، وقد أبدى الجانب السوري رغبته واستعداده للتعاون كذلك في مجالي نقل الغاز الجاف الفائض، وتنمية حقول النفط والغاز في العراق من خلال إنشاء خط أنبوب جديد وبطاقة مناسبة وتقديم خدمات الحفر وإصلاح الآبار والتشغيل والصيانة والتدريب للكوادر العراقية .

ويتضح من خلال كلام الدباغ هذا أن سوريا لديها مصالح اقتصادية مع حكومة المالكي، وأن هذه المصالح ربما هي التي جعلتها تغير من موقفها السابق الذي كان رافضاً لاستمرار المالكي في رئاسة الحكومة العراقية خلال السنوات الأربع الماضية، وقد تبين هذا الرفض من خلال تأكيد بعض المسؤولين السوريين أن العلاقات العراقية السورية ستشهد ازدهاراً بعد تشكيل الحكومة الجديدة في إشارة إلى أن المالكي لن يكون على رأس هذه الحكومة .

أدرك المالكي جيداً وبعد أن وجد خصومه السياسيين يتجولون في العواصم المجاورة للعراق أن بقاءه في الساحة العراقية فقط سيرسل إشارات سلبية إلى الجهات التي تريد أن تسانده في رئاسة الحكومة المقبلة، وكذلك إلى الجماهير التي ساندته في الانتخابات الأخيرة تؤكد أن حكومته المقبلة ldquo;إن نجح في تشكيلهاrdquo; ستعيش في عزلة خانقة من قبل دول الجوار، ومثل هذا الأمر سيجعله ضعيفاً في بعض محاور المفاوضات التي يستخدمها مع الائتلاف الوطني العراقي الذي قام بتسويق مرشحه (نائب الرئيس العراقي والقيادي في المجلس الإسلامي الأعلى عادل عبدالمهدي) إلى دول الجوار من خلال بعض الجولات التي قام بها زعيم الائتلاف الوطني العراقي عمار الحكيم نحو الدول العربية . لذلك استغل المالكي علاقاته مع بعض الجهات الإيرانية ldquo;التي لم تكن مؤيدة له بشكل كبير في الاستمرار بمنصبه وكذلك في الوقت نفسه لم تكن رافضة له بشكل قطعي للبقاء في هذا المنصبrdquo; لكي تمهد له الحوار مع القيادة السورية . وقد أكد الكثير من المتابعين للشأن العراقي أن التقارب الأخير الذي حصل بين ائتلاف المالكي وبين القيادة السورية قد تم عبر وساطة إيرانية .

وما زيارة الرئيس الإيراني احمدي نجاد الأخيرة إلى سوريا ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد إلا الدليل القاطع على أن قضية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة كانت المحور الأهم في لقاء الزعيمين الإيراني والسوري في دمشق .

لذلك فإن تحرك المالكي الأخير يؤكد للكثير من المشككين في قدراته أنه رجل سياسي يمتلك الكثير من مفاتيح اللعب في الساحة العراقية . فهو يراهن الآن على الدعم الأمريكي له للبقاء في منصبه ويحاول أن يحصل على دعم آخر من سوريا وإيران في هذا المجال حتى يؤكد لمنافسيه (إياد علاوي وعادل عبدالمهدي) أنه لا يوجد إجماع إقليمي على استلامهما لرئاسة الحكومة المقبلة، فضلاً عن ذلك أنه يضع قدماً مع الائتلاف الوطني العراقي ويضع القدم الأخرى مع التحالف الكردستاني في سبيل تشكيل الكتلة الأكبر التي سيكلفها الرئيس العراقي المقبل تشكيل الحكومة العراقية الجديدة . بينما يراهن إياد علاوي على عدم نجاح التحالف الوطني في الاتفاق على مرشح واحد لكي يقترب من الائتلاف الوطني العراقي، بينما يحاول عادل عبدالمهدي استمالة بعض أعضاء ائتلاف دولة القانون إلى جانبه في مسألة التصويت على مرشح التحالف الوطني لكي يصل إلى البرلمان وهو المرشح الوحيد للتحالف الوطني . إلا أن المالكي ما زال يمتلك الكثير من الأوراق التي تجعله يتمسك بمنصبه في السنوات المقبلة، بينما سيحاول منافساه (علاوي وعبدالمهدي) التركيز على الجانب الأمني في البلد الذي شهد تراجعاً خطيراً في الأيام الأخيرة، وتحديداً في العاصمة بغداد، وكذلك في بعض المحافظات الأخرى، حيث سيطرحان مبررات هذا التراجع على طاولة حوارات تشكيل الحكومة الجديدة في محاولة منهما لإضعاف حظوظ المالكي في سعيه المستمر في البقاء بمنصبه الحالي .

الانفتاح الخارجي

إلا أن بعض أعضاء ائتلاف دولة القانون وجدوا في زيارة وفد ائتلافهم الأخيرة إلى سوريا بأنها تأتي من باب الانفتاح على العالم الخارجي للعراق وعدم بقاء التحرك محصوراً في النطاق الداخلي .

وقال القيادي في ائتلاف دولة القانون عباس البياتي إن زيارة وفد ائتلاف دولة القانون إلى سوريا كانت إيجابية جداً ومهمة جداً، لأنها أكدت للجميع أن ائتلافنا يمتلك الكثير من المفاتيح والوسائل للانفتاح على دول الجوار ومنها سوريا .

وذكر البياتي أن مسألة تشكيل الحكومة العراقية مسألة داخلية بحتة وأن من أسس ومبادئ ائتلاف دولة القانون هو عدم السماح للجهات الخارجية بالتدخل بالشأن العراقي، رافضاً كل الاتهامات التي وجهت لائتلافه والتي كانت تتعلق بأن الزيارة كانت تهدف إلى مساعدة سوريا في التمديد للمالكي برئاسة الحكومة العراقية الجديدة .

ورأى البياتي أن المالكي بات اليوم أوفر حظاً في تولي رئاسة الحكومة المقبلة، لأنه أثبت خلال السنوات الأربع الماضية بأنه رجل دولة قوي في مرحلة صعبة وشائكة جداً ومعقدة، لكنه ورغم هذه الظروف نجح في تخطي وتجاوز الكثير من العقبات التي اعترضت طريقه .

ldquo;العراقيةrdquo; ترحب

وقد رحبت ldquo;الكتلة العراقيةrdquo; التي يتزعمها إياد علاوي بخطوة ائتلاف دولة القانون بالانفتاح على سوريا وبقية الدول العربية، كذلك رحبت بتناول مسألة تشكيل الحكومة العراقية من قبل الرئيسين الإيراني والسوري في دمشق، وقال القيادي في الكتلة جمال البطيخ إننا نرحب بتصحيح العلاقات العراقية مع سوريا، لأنها تمثل خطوة ايجابية في اتجاه الطريق الصحيح .

وأكد أن سوريا احتضنت المالكي منذ أيام النظام السابق، ومن غير الممكن أن تكون العلاقات سلبية مع سوريا، موضحاً أن المالكي يطمح لتحسين العلاقات مع الحكومة السورية، لأنه يحتاج إلى مساعدة سوريا في مشروعه بتشكيل الحكومة .

كما رحب عضو ائتلاف العراقية كامل الدليمي بأي تدخل خارجي يغلب مصلحة العراق وشعبه ويسهم في تشكيل حكومة شركة وطنية . وقال الدليمي إن العراقية ترحب بأي تدخل يقرب وجهات النظر بين القادة السياسيين العراقيين، وتنتج عنه حكومة شراكة وطنية تنهض بواقع المواطن .

وأضاف أن العراقية لا يمكن أن تقبل التدخل الإقليمي الذي لا يخدم مصلحة المواطن العراقي بل ستقف بالضد منه تماماً لأنها لا تريد أن تكون سلماً لتحقيق البعض أهداف وطموحات خارجية .

بالمقابل فإن الائتلاف الوطني العراقي أبدى استغرابه الشديد لزيارة وفد ائتلاف دولة القانون إلى سوريا، وقال عضو الائتلاف جمعة العطواني ldquo;إن الزيارة تمت من دون علم الائتلاف الوطني العراقي، وهذا الأمر لا يتماشى مع بنود التفاوض التي تم الاتفاق فيها بيننننا وبين ائتلاف دولة القانون عند تشكيل التحالف الوطنيrdquo;.