إياد الدليمي

ليس منطقياً بقاء المالكي رئيساً للحكومة رغم رفضه من قبل كل الأطراف فمن يريد تقديم نموذج في الديمقراطية عليه أن يبدأ بنفسه غريب أمر هؤلاء الساسة الذين يملؤون الدنيا ضجيجا وحديثا عن الحرية والديمقراطية، وإذا ما جاء قرار بتنحية أحدهم، ليس عن كرسي السلطة وحتى عن كرسي الحلاق، تجده متشبثاً به وكأنه قد ورثه عن جده السابع عشر.
والأكثر غرابة ما يجري في العراق الجديد، عراق الديمقراطية والتحرير، فبعد أن وجد عدد من المنفيين خارج وطنهم لأسباب شتى، ضالتهم في الحرب الأميركية على العراق، وأسسوا قبلها أحزاباً مدفوعة الثمن وباعترافاتهم هم، صار هؤلاء من أبرز المنظرين للديمقراطية، ورسموا صورة لعراق مزدهر في عهدهم، عراق ديمقراطي تعددي، واليوم جاؤوا إلى السلطة، بفعل الدبابة الأميركية، فماذا حصل؟
وفي ندوة عُقدت بإحدى المدن الجنوبية بالعراق، وحضرها رئيس الحكومة نوري المالكي، قام شخص من أصحاب الأهازيج الشعبية التي اعتاد عليها أهل الجنوب، وهو يردد أهزوجة عن حق الشيعة في السلطة, وفي حكم العراق، وبدلا من أن يقول له الديمقراطي جداً، السيد نوري المالكي، بصفته رئيسا لوزراء العراق وليس لمدنه الجنوبية فقط، إن السلطة هي حق لكل عراقي يصل إليها بالطرق الديمقراطية ووفقا للدستور، فإن السيد المالكي رد عليه بعبارته الشهيرة laquo;صارت إلنا وبعد ما ننطيهاraquo; أي أن السلطة التي آلت إلينا laquo;نحن الشيعةraquo; لن نفرط فيها أو نعطيها لأي شخص كان.
للأسف، وبعد ستة أشهر من الانتخابات التشريعية التي جرت في العراق، ما زال السيد المالكي متمسكا بالكرسي، مدافعا عن ذلك بأنه الشخص الوحيد المؤهل لإدارة الشؤون العراقية، وكأن هذا البلد العظيم والكبير الذي اسمه العراق، عقيم عن إنجاب شخص أفضل من المالكي.
في عراق النظام البعثي، وتحديداً في مرحلة الثمانينيات من القرن الماضي، وفي أوج الحرب العراقية مع إيران، كانت هناك نزعة لدى النظام السابق بضرورة إشعار المواطن بالمنجزات التي حققتها ثورة يوليو 1968، وكان ذلك يتم عبر تلقين الطلاب في المدارس والجامعات لتلك المنجزات، ناهيك عن إعلام بارع في تقديم تلك المادة، فتحولت تلك المنجزات إلى بروباغاندا نجح النظام من خلالها في تكريس منجزاته.
في المدارس العراقية آنذاك، وبفعل تلك الدعايات التي مارسها النظام السابق، صار الطلاب يتفننون في ذكر المنجزات التي حققتها الثورة، لأنهم كانوا يعتقدون أن ذكر منجزات الثورة في مادة الإنشاء laquo;التعبيرraquo; بدرس اللغة العربية سوف يزيد من درجاتهم، الأمر الذي دفع بأحد الطلاب إلى أن يسقط تلك المنجزات على إجابته في مادة الجغرافيا طمعاً في الحصول على درجات إضافية، فقال في إحدى إجاباته: laquo;كانت الرياح قبل الثورة تهب من الشمال إلى الجنوب ولكن بفضل منجزات الثورة صارت الرياح تهب من الجنوب إلى الشمالraquo;.
السيد المالكي يريد أن يصنع لنفسه مجدا زائفا يماثل ما كان يدعيه النظام السابق، مع التأكيد على أنه لا مجال للمقارنة بين النموذجين لأسباب شتى، فتراه يتحدث ليلا ونهارا عن منجزاته في الأعوام الخمسة الماضية، ولعل منجزه الأبرز الذي يريد من العراقيين أن يحفظوه، وأن يكتبه الطلاب في إجاباتهم الامتحانية هو الأمن.
فهو يتحدث عن ذلك وكأنه فعلاً قد وقع، وتحول العراق إلى البلد الأفضل أمنياً، بينما نرى أن الحال مغايرة تماما، فلقد تدهور الواقع الأمني بشكل مريع في العراق, خاصة بعد الانتخابات التشريعية، وإذا كان السيد المالكي يتحدث عن إخماد نار الطائفية التي اشتعلت في العراق عقب تفجيرات سامراء 2006، فأعتقد أن من أخمد نار الطائفية هم العراقيون أولاً والمصالح الأميركية ثانياً، وليس للمالكي ولا لجيشه أي فضل بوقف تلك الحرب المفتعلة أصلا.
إن من يريد أن يقدم نموذجا في الديمقراطية عليه أن يبدأ بنفسه، فليس من المنطقي أن يبقى السيد المالكي رئيسا للحكومة رغم رفضه من قبل كل الأطراف السياسية، فلا التيار الصدري يرضى به رئيسا للحكومة, ولا القائمة العراقية, ولا المجلس الأعلى, ولا حتى الأكراد، فكيف يبرر لنفسه هذا الدفاع المستميت؟
لقد صرح المالكي في مقابلة جرت معه قبل أيام بأن هناك توافقا أميركيا إيرانيا على بقائه في السلطة، عادًّا هذا التوافق سمة إيجابية له، لأنه جمع العدوّين على شخصه، كما قال، وإذا كان هذا حاصلاً بالفعل، فأعتقد أن على العراقيين أن يصروا على رفض بقاء المالكي في السلطة، لأن العراقيين يعرفون أكثر من غيرهم أن أكثر الأطراف التي أسهمت في تدمير بلادهم عقب احتلاله هي أميركا وإيران، فكيف يمكن لهذه الأطراف أن تعمل الآن لصالح العراقيين؟