عبدالزهرة الركابي

على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك عُقد مؤخراً في نيويورك اجتماع ثنائي بين وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، وحسبما أفاد به مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الدبلوماسية العامة، فيليب كراولي، في تصريح بعد انفضاض هذا الاجتماع، بأن كلينتون أكدت الهدف الأمريكي بتحقيق السلام الشامل في الشرق الأوسط، بما في ذلك المسار السوري، كما تعهدت الوزيرة الأمريكية بتطوير بعض الأفكار على الجانب السوري .

وذكر كراولي أن الوزير السوري أبدى اهتماماً بالأفكار الأمريكية، وأن واشنطن ستدرس وتطور بشكل إضافي هذه الأفكار في المرحلة المقبلة .

منذ أن تحركت عجلة المفاوضات على المسار الفلسطيني - ldquo;الإسرائيليrdquo; وبغض النظر عن تفاصيلها، شهدت المنطقة عبر مساع إقليمية وغربية وأمريكية، محاولات لتحريك هذا المسار، وقد كان السوريون يدركون أن أصحاب هذه المساعي الإقليمية والغربية على نحو خاص، إنما يأتون الى دمشق بغرض نقل رغبة استدراجية أمريكية غير مباشرة في هذا الشأن .

وقد كان الموقف السوري واضحاً في ذكر ثوابته إذا ما أُريد ان يتحرك قطار السلام في هذا المسار جدياً، وهذه الثوابت مرحلياً ومبدئياً تتشكل من هذه النقاط: أن دمشق تأمل برؤية تطورات حقيقية في عملية السلام رغم أن السياسات ldquo;الإسرائيليةrdquo; لا توحي بذلك . وضرورة التعهد مسبقاً بالموافقة على مبدأ استعادة الجولان ضمن خط الرابع من حزيران يونيو/حزيران عام ،1967 والعمل على أسس واضحة والحصول على ضمانات لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، والتأكيد على أن ما يُطلب من تل أبيب هو إعادة الحقوق السورية المغتصبة وليس تنازلات، وأهمية التنسيق مع تركيا في هذا الشأن من أجل البناء على ما جرى التوصل إليه في المفاوضات غير المباشرة عبر الوسيط التركي، وضرورة الحضور الأمريكي الفعّال في أي مسعى من هذا النوع .

ومن الطبيعي أن مبعوث السلام الأمريكي جورج ميتشل في زيارته الأخيرة لدمشق وجد أمامه الثوابت المذكورة، إضافة الى عنوان كبير للموقف السوري الذي يتمثل في أن السلام المراد تحقيقه على هذا المسار، يجب ألا يتضمن بقاء أي وجود ldquo;إسرائيليrdquo; في هضبة الجولان تحت أي ذريعة أو مسمى، وكذلك التأكيد على ثبات الموقف السوري في عدم السماح للدولة الصهيونية بأي ممر أو موقع يتيح لها الوصول الى بحيرة طبرية من الجانب الشرقي .

ولو أمعنا النظر بحراك هذا المسار اعتماداً على جولات سابقة أكانت مباشرة أو غير مباشرة، فإن أغلب المراقبين والمحللين يجمعون على مسحة طاغية من التشاؤم تكتنفه سابقاً وحاضراً، وذلك من اعتبارات وتعقيدات لا يمكن تخطيها من طرفي هذا المسار، إذ إن دمشق تؤكد استرجاع حقوقها المحتلة والمغتصبة وهي ليست بوارد تقبُل أي إملاء أو دفع أثمان في المقابل، في حين ترى تل أبيب مقابل ذلك، أن عليها تقديم تنازلات لا تقوى عليها حتى لو أقدمت على ذلك، فإن من الاستحالة الحصول من دمشق على مطالب مثل فك تحالفها مع إيران والمقاومة اللبنانية كشرط مسبق لاستئناف المفاوضات، وهل توافق دمشق على حل نهائي وشامل مع الدولة الصهيونية في حال عدم التوصل الى حل نهائي وشامل على المسار الفلسطيني على سبيل المثال لا الحصر؟

ولو أسهبنا في تفصيلات وحيثيات هذين الموقفين، لتوصلنا الى نتيجة مفادها استعصاء واستحالة الحل في الحاضر وربما ينطبق هذا الأمر على المستقبل المنظور، ما عدا اللجوء الى خيار الحرب الشاملة الذي من الممكن أن يعيد إنتاج خارطة إقليمية جديدة، تفرض حسابات ضاغطة على أمريكا والدولة الصهيونية، وفي هذا السياق تقول مصادر سورية واسعة الاطلاع، إن الحديث عن استئناف المفاوضات على المسار السوري، أمر سابق لأوانه ولا أساس له من الصحة، لأن مجموعة المواقف ldquo;الإسرائيليةrdquo; التي عطلت المفاوضات غير المباشرة بوساطة تركية، مازالت تعطل كل الجهود على هذا المسار . بيد أن هذه التعقيدات لا تعني عدم وجود وسيط أو فريق في كل من ldquo;إسرائيلrdquo; وأمريكا على حد سواء، يسلم بضرورة استئناف المفاوضات على المسار السوري بما في ذلك الموافقة على الانسحاب من الجولان والأراضي اللبنانية، وأبرز رموز هذا الوسط في الدولة الصهيونية هما العميد يوسي بايدتس رئيس وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية ldquo;أمانrdquo; الذي يعتقد ان استعادة سوريا للجولان، سيتيح لكيانه توقيع اتفاق سلام شامل مع سوريا، مع كل ما ينطوي على ذلك من فتح للحدود وإقامة علاقات تجارية ودبلوماسية، والجنرال غابي إشكنازي الذي يرى وجود احتمال معقول لنجاح المسيرة السياسية مع سوريا، وبالتالي يجب فعل كل شيء لاستنفادها، لأن أهمية ذلك، أنه ينطوي على نتائج استراتيجية حيال أمن ldquo;إسرائيلrdquo; ومكانتها في المنطقة حسبما يقول جنرال الحرب ldquo;الإسرائيليrdquo; .