ماذا يدور في الخارج ؟

رفيق خوري
الأنوار اللبنانية
حرب المحكمة الدولية تتسع بمقدار ما تضيق المخارج المفترضة التي تقود الى تسوية ما. والجبهات المفتوحة تمتد كالعادة من بيروت الى عواصم المنطقة والعالم. فلا الانقسام الحاد في لبنان معزول عن محاور الاستقطاب في اللعبة الإقليمية والدولية. ولا ارتفاع الأصوات في السجال بين حزب الله وحلفائه، وتيار المستقبل وحلفائه يحجب الأصوات التي بدأت ترتفع في واشنطن وباريس والقاهرة والرياض ودمشق وطهران وأنقرة وتل أبيب والأمم المتحدة.
لكن الأصوات في بيروت تعبر عن مواقف لا تراجع عنها. في حين أن الأصوات في العواصم الإقليمية والدولية تعبر عن مواقف مفتوحة على حسابات ومصالح تابعة في وقت واحد لعملية شد حبال وتنازع ولأن توضع على طاولة الحوار حول قضايا متعددة.
ذلك ما يدور هنا هو صراع في نفق. لا للخروج منه الى بناء مشروع الدولة بل للبقاء فيه والتمسك بالسلطة. وليس بين المتصارعين من يعرف تماماً ما يحدث في الكواليس الإقليمية والدولية، ولا من لديه قراءة واقعية في مواقف القوى الخارجية، وهل هي نهائية أم معرّضة للتبدّل والأخذ والعطاء. لكن الكل يعرف اننا في لعبة ليس في يدنا من خيوطها سوى القليل. أقصى ما نستطيعه، بالعقل، هو ان نحفظ رأس لبنان وقت تغيير الدول. وأقل ما نستطيعه، بالرؤوس الحامية، هو الإندفاع في حرب تدمّر لبنان ويصحّ فيها قول بسمارك عن الحرب الوقائية انها مثل الإنتحار خوفاً من الموت.
وليس من الضمانات الكافية للاطمئنان كون الحرب لا تزال سياسية. فنحن أسرى سياسة ليست سياسة بمقدار ما هي شرشحة لها. والغائب الذي يحتاج اليه لبنان، وسط كثرة السياسيين وإعطاء التسييس أسوأ معنى، هو السياسة بمعناها النبيل كفن لإدارة شؤون الناس وإطار حياة للتقدم الديمقراطي والاقتصادي والثقافي.
وما يخفف من القلق هو ان الوضع الخطير ليس من دون ضوابط، لا في الداخل ولا في الخارج. غير أنها ضوابط سلبية محورها الخوف من فتنة تشعل لبنان وتصل حرائقها الى المنطقة. فهي، لأسباب متعددة، ضوابط تمنع الانهيار الكامل، لكنها تسمح بشل البلد وتعطيل السلطة. فالسلطة، بتكوينها الحالي، تحمل عوامل التعطيل، وهي، بالخلافات العميقة على الأساسيات، معطلة عملياً وليست في حاجة الى جهد أو قرار كبير لتصبح معطلة رسمياً.. فالرهان على حل من داخل المؤسسات حلم. والرهان الجدّي، برغم صعوبته، هو على لقاءات وتفاهمات من خارج المؤسسات.
وليس أخطر من السلطة المعطلة سوى الإندفاع الى الحد الأقصى في الصراع على السلطة لتغيير قواعد اللعبة في غياب الدولة.
سوريا وإيران والانقلاب المُؤجَل
ماذا إذاً؟ هل تنهار ldquo;دولة الطائفrdquo; في لبنان؟
سعد محيو
الخليج الأماراتية
معظم قوى 8 آذار/ مارس لا تتمنى ذلك وحسب، بل العديد منها يدعو إليه آناء الليل وأطراف النهار . فهذه الدولة كانت العام 1989 حصيلة موازين قوى بين سوريا وبين السعودية والولايات المتحدة (إيران لم تظهر على الشاشة آنذاك)، أملت تقاسم النفوذ السياسي بينها في إطار كوندومينيوم (مشترك) لبلاد الأرز .
هذا علاوة على أن اتفاق الطائف كان في عمقه خاتمة لصراع مارونيإسلامي مشترك، وأدى إلى الحد إلى درجة كبيرة من الصلاحيات الكاسحة لرئيس الجمهورية الماروني ووضعها في عهدة مجلس الوزراء .
أما الآن، وقد تهمّش دور المسيحيين وباتوا عملياً مُلحقين سياسياً بالقوى الإسلامية المختلفة، فإن أي صيغة جديدة للنظام اللبناني يجب أن تكون حصيلة موازين القوى (أو الوفاق الرضائي) بين هذه القوى الإسلامية نفسها .
حزب الله كان، ولايزال حتى اللحظة، ينأى بنفسه عن المطالبة بتغيير النظام، لأن همومه واهتماماته أمنية وإقليمية وأممية في الدرجة الأولى . بيد أن الأمور قد تتغيّر إذا ما اقتنع الحزب بأن أجندته الإقليمية والأممية قد تفرض عليه العمل على تغيير النظام اللبناني . إذ حينها سيكون معنياً مباشرة بالدعوة إلى إعادة النظر في دولة الطائف .
هل كان اقتراح السفير الإيراني لدى لبنان غضنفر ركن آبادي إضافة الحكومة إلى معادلة ldquo;الشعب والجيش والمقاومةrdquo;، خطوة في هذا الاتجاه؟
ربما . فالجمهورية الإسلامية المُحاصرة من كل جانب تتمنى هي أيضاً أن ينضم لبنان كدولة إلى معسكر المقاومة والممانعة، عبر تغيير أوتعديل النظام السياسي فيه . وهذا على أي حال ما عبّر عنه الرئيس احمدي نجاد عشية زيارته التاريخية إلى لبنان، حين أعرب عن أمله في انضمام دول عربية أخرى إلى إيران وسوريا في هذا المعسكر .
لكن مهلاً . قرار إسقاط دولة الطائف ليس قراراً تتخذه إيران وحزب الله، بل هو أولاً وأساساً قرار سوري . وهذا مايعيدنا إلى السؤال الذي طرحناه بالأمس: هل دمشق في وارد دعم مثل هذا الانقلاب؟
كلاّ، على الأرجح . صحيح أن سوريا تلعب دوراً يبدو ثورياً في الشرق الأوسط، لكنها هي نفسها ليست دولة ثورية . وهي في عهد بشار الأسد لا تزال كما كانت في عصر حافظ الأسد: دولة براغماتية تؤمن بسياسة موازين القوى، والتسويات، والصفقات، استناداً إلى عامل المصالح .
وهي من هذا المنطلق، لن تكون في وارد قلب النظام في لبنان وإدارة الظهر للولايات المتحدة وللمعادلة التاريخية، التي طالما كانت في أساس لبنان نفسه منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى الآن: الكوندومينيوم الغربيالعربي (وقبله العثماني) للبنان .
بالطبع، قد لا تمانع الولايات المتحدة في وصول قوى إسلامية جديدة إلى السلطة في لبنان، على غرار ماحدث في العراق . بيد أنها ستشترط حتماً أن يتم نزع سلاح حزب الله قبل إبرام أي صفقة جديدة من هذا النوع . وهذا أمر لن يقبله لا إيران ولاحزب الله، ولا حتى سوريا حتى إشعار آخر .
وبالتالي، أكثر مايمكن توقعه في هذه المرحلة هو اضطراب سياسي شديد قد تسوده فقرات من العنف الأمني، بهدف إسقاط المحكمة، أو التهديد بإسقاط الحكومة لإسقاط المحكمة .
أما الانقلابات الجذرية فمُؤجّلة .