خيرالله خيرالله

فجأة من دون سابق انذار، انشغل لبنان بحقوق الفلسطينيين الموجودين على أراضيه. مرة أخرى، هناك من يريد المتاجرة بالفلسطينيين واللبنانيين وكأنّ هناك مشكلة بين الشعبين، وكأنّ اللبنانيين لا يعرفون شيئاً عن مأساة الفلسطينيين الذين شردوا من أرضهم التاريخية ولجأ من لجأ بينهم إلى لبنان. أقام هؤلاء، في معظمهم، في مخيمات لا تليق بالإنسان وذلك منذ ما يزيد على ستة عقود. والمؤسف أنه وجد دائماً من يستغل فلسطينيي المخيمات ويوظفهم في مشاريع لا علاقة لها بالقضية الفلسطينية من قريب أو بعيد بمقدار ما أنها مرتبطة إلى حد كبير بتدمير مؤسسات الدولة اللبنانية، والقضاء على صيغة التعايش بين اللبنانيين. اخطأ الفلسطينيون في معظم الأحيان، خصوصاً عندما قبلوا بأن يُفرض laquo;اتفاق القاهرةraquo; على لبنان واللبنانيين فجروا الويلات على انفسهم وعلى الوطن الصغير. واخطأ اللبنانيون في أحيان كثيرة، خصوصاً عندما أخذ المسيحيون، وليس كل المسيحيين، على عاتقهم التصدي للوجود الفلسطيني المسلح، فيما اعتبر قسم آخر من اللبنانيين المسلح الفلسطيني جيشه.
لكن الخطأ الأساسي لم يكن يوماً لبنانياً أو فلسطينياًَ، وذلك من دون الاستخفاف بقدرة اللبنانيين والفلسطينيين على الحاق الأذى بانفسهم وبقضاياهم. كان هناك دائماً من يريد استخدام الفلسطينيين لأغراض خاصة به من منطلق أن لبنان بمثابة laquo;ساحةraquo; لا أكثر ولا أقل.
ما الهدف من الاستفاقة اللبنانية المفاجئة على حقوق الفلسطينيين؟ قبل كل شيء، لا علاقة للبنان بهذه الاستفاقة المفتعلة من ألفها إلى يائها. لا وجود للبناني صادق مع نفسه يقبل بأن يعيش الفلسطيني في ظروف لا تليق بالبشر. المشكلة في أن هناك من كُلّف بإثارة موضوع حقوق الفلسطينيين رغم من أنها آخر همومه وآخر هموم طائفته وذلك كي يؤكد أنه يستحق شهادة حسن السلوك من النظام السوري ومن laquo;حزب اللهraquo; بعدما وجد نفسه محاصراً في مرحلة ما، وأن تهجير الدروز من جبل لبنان أمر وارد، خصوصاً أن العالم وقف موقف المتفرج حيال ما جرى في بيروت والجبل في السابع والثامن والتاسع من مايو 2008. وقتذاك كان كل لبناني شريف مهدداً بواسطة الميليشيات المذهبية التي انقضت على بيروت وأهلها، وعلى القرى الدرزية في جبل لبنان، ووجهت مدافعها إلى القرى والبلدات التي يقيم فيها بني معروف. حصل ذلك في ظل لا مبالاة دولية مستغربة، وفيما اتخذ الجيش اللبناني موقفاً محايداً من الأحداث فرضته ظروف إقليمية وتوازنات ذات علاقة بالداخل والخارج في آن.
ليس مطلوباً بالطبع فتح جروح الماضي بمقدار ما أن العودة إلى الحديث عن حقوق الفلسطينيين بالطريقة التي حصلت بها يطرح بحد ذاته سلسلة من الأسئلة. في مقدم الأسئلة لماذا الآن، ولماذا بهذه العجلة، ولماذا التظاهرة المضحكة المبكية التي شارك فيها عدد لا بأس به من الفلسطينيين في قلب بيروت والتي تلت طرح الموضوع في مجلس النواب؟ الجواب بكل بساطة أنه مطلوب في هذه المرحلة بالذات تغيير طبيعة الانقسام في لبنان. إنه انقسام بين الوطنيين اللبنانيين من كل الطوائف والمناطق والفئات الاجتماعية، أي بين الذين يرفضون الوصاية ويتمسكون بالمؤسسات وبالدولة ويرفضون السلاح غير الشرعي الذي يرفعه laquo;حزب اللهraquo; وفلسطينيون تابعون للأجهزة السورية من جهة... وأولئك الذين يعتبرون أنفسهم فوق الدولة ومؤسساتها، وفي خدمة المشروع الإيراني من جهة أخرى. المطلوب جعل الانقسام مسيحياً إسلامياً، علماً أن هناك أكثرية مسيحية- إسلامية تدعم بشكل واضح مشروع الدولة وترفض سلاح laquo;حزب اللهraquo; الذي انتهت مهمته في العام 2000، وترفض في الوقت ذاته السلاح الفلسطيني الذي لا يخدم القضية في أي شكل وفي أي حال.
المؤسف أن لبنانيين مسيحيين سقطوا في فخ التصدي لحقوق الفلسطينيين. كان على هؤلاء التروي قبل اطلاق تصريحات نارية تُشتم منها نزعة عنصرية تعكس غياب الرغبة في التعلم من تجارب الماضي القريب. كان على هؤلاء، وهم صادقون إلى حد كبير ولكن تنقصهم الحنكة السياسية، التساؤل لماذا كل تلك الحماسة لدى نواب تابعين للنائب ميشال عون في التصدي لمشروع القانون المتعلق بحقوق الفلسطينيين، هل يستطيع عون ترك نوابه يطلقون كل هذا الزعيق، حتى لا نقول النباح، اعتراضاً على حقوق الفلسطينيين لو لم يكن ذلك مطلوباً منه، هل كان فعل ذلك لو لم يكن الهدف تكريس الانقسام المسيحي- الإسلامي في مجلس النواب تغطية لأمور أخرى على رأسها السلاح غير الشرعي على الأراضي اللبنانية أكان في يد عناصر تابعة لميليشيا مذهبية لبنانية، أو لتنظيم فلسطيني معروف تماماً أين مرجعيته؟
تستأهل حقوق الفسطينين في لبنان نقاشاً جدياً وطويلاً بعيداً عن المزايدات والشعارات، خصوصاً تلك المرتبطة بما يسمى التوطين أو حق العودة. لا وجود لفلسطيني أو لبناني يريد التوطين في حين أن حق الدولة سيكون مضموناً لكل فلسطيني متى تحقق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة بموجب تسوية شاملة يؤمن بها الرافضون للمتاجرة بالقضية الفلسطينية إلى ما لا نهاية.
مشكلة لبنان ليست مرتبطة بحقوق الفلسطينيين الذين على أرضه. ومشكلة الفلسطينيين في لبنان وغير لبنان في مكان آخر. تكمن المشكلة الحقيقية في وجود دولة داخل الدولة، وسلاح خارج السلاح الشرعي في لبنان. كل ما عدا ذلك مناورات واستعراضات مضحكة من نوع تضخيم قضية النفط، ومشروع التنقيب بدل اعتماد الهدوء والروية. لا هدف لمثل هذه المناورات والاستعراضات سوى التغطية على الحقيقة عن طريق افتعال نزاعات مصطنعة. ثمة من فهم ذلك وثمة من سيفهمه عاجلاً أم آجلاً.