فاتح عبدالسلام

لا أقول تدخل بل توسط دول الجوار في تشكيل الحكومة العراقية ليس امتيازاً لتلك الدول علي طول الخط وانما هو في وجه آخر من الصورة ورطة لها.. لأنّه يضعها أمام مسؤولية نوعية ليس أمام السياسيين المستفدين والمتضررين بل أمام العراقيين، الذين سيقولون بعد أسابيع أو أشهر من قيام أية حكومة عراقية لا تلبي حاجاتهم الأساسية، انّ الدولة الفلانية أو انّ الدولتين كذا وكذا تسببتا في قيام حكومة من هذا النوع. فضلاً عن إنّ هناك دولاً في الجوار أو بعيدة عنه ستتعامل مع أية حكومة عراقية خرجت من كنف عاصمة أخري علي وفق هواجسها وتطور علاقاتها إزاء تلك العاصمة.
لقد أسس المتخاصمون في مشهد الحكم في العراق لقاعدة التدخل الأجنبي في العراق وأسسوا له تشريعات غير مكتوبة، ليس في أزمة قيام حكومة عراقية أفرزتها انتخابات قبل سبعة شهور وانّما منذ الغزو الامريكي للعراق. وإنهم جميعاً لا يزالون يراوحون عند حدود التأثيرات الخارجية استشعاراً من اغلبيتهم في انهم يقفون علي أرض رخوة وان الآتي مجهول ومخيف أيضاً.
كل شيء في العراق منذ احتلاله يقوم علي فكرة التدخل الخارجي والتدخل المضاد من هذه الجهة او تلك ولم يدخل برنامج سياسي مليء بالشعارات الوطنية حيز التطبيق حتي الآن.
لو قام حراك سياسي علي أسس الخيار العراقي في وطن الشراكة المصيرية بعد ان تم احتلال البلاد وغادر حاكمه المدني بول بريمر. لكانت الأمور اتجهت الي نسيان عملي لمرحلة دموية حربية تدميرية والتطلع لتأسيس مرحلة البناء والاعمار والسلم الاجتماعي، لكن ذلك لم يحدث وربما تكرّس ما يقف علي الضد منه أيضاً.
لذلك نري ان الأزمات السياسية الحالية عميقة تصل غالباً الي كسر العظم، وتذهب الي حافة الهاوية منذ فرصتها أو خيارها الأول. لو صححوا المسار لكان هناك أمل برغم القتامة والظلام. هناك (لو) لها معاني مقيدة لأنّها سياسية وتتصل بإصلاح مستقبل البلد وليست محصورة بأمزجة أفراد وفئات.