محمد عبدالله محمد

المعادلة الإيرانية في العراق مُعقّدة. فهي تقوم على معادلة laquo;التنوع في عين التضامن والكثرة في عين الوحدة والثبات في عين التعايشraquo;. وبالرجوع إلى جذور هذه المعادلة يتضح أنها توصيف laquo;لازِمraquo; لأوضاع الطائفة الشيعية فيه، ومنحها المجال الذي laquo;يتوجّبraquo; أن تعمل في إطاره، وبالتالي فهي واقعة ضمن الواقع الاستراتيجي لطهران ضمن جوارها المباشر.

هنا أودّ أن أحدّد مجال المصالح الإيرانية مع العراق (ومع غيره أيضاً) وفي علاقاتها الدينية والسياسية والاقتصادية والثقافية انطلاقاً من جغرافيتها الممتدة على أكثر من 1.640.000 مليون كم. فالواقع الحدودي يُقسّم ذلك المجال إلى اثنتي عشرة نقطة هي في الأساس محافظات ومناطق إيرانية، تُطلّ كل واحدة منها على نافذة مصالح هي في الأساس جوار لصيق بإيران.

في النقطة الأولى وهي عبارة عن محافظة كيلان يُطلّ العنق الإيراني على بحر قزوين (الخَزَر). وبجوارها حيث النقطة الثانية وهي محافظة مازندران تجاور إيران آسيا الوسطى المتفسّخة من الاتحاد السوفياتي. وفي النقطة الثالثة حيث خراسان تلامس إيران الحدود مع أفغانستان.

وفي النقطة الرابعة حيث كرمان، تقع هذه المنطقة ما بين ذيل أفغانستان ورقبة باكستان. وفي النقاط الخامسة والسادسة والسابعة حيث سيستان وبلوشستان ولاستان تتجاور هذه المناطق مع مثيلاتها في الخارج القريب حيث باكستان وتلك القريبة من بحر العرب وخليجه.

وفي النقاط الثامنة والتاسعة والعاشرة والحادية عشر حيث مناطق خوزستان ولورستان وكرمنشاه وكردستان تجاور إيران المناطق العراقية على امتداد الحدود في الجنوب والوسط والشمال (وهي محلّ البحث اليوم). أما الأخيرة وهي أذربيجان فهي تُطلّ على القوقاز وتركيا.

ما يهمّنا من ذلك الوصف وتلك النقاط هو المتعلق بالعراق. ولكي نُحدّد الأمور بصورة أكثر صرامة نستحضر ما كَتَبَهُ جون كينر حول امتداد العراق الحديث والطبيعي جغرافياً مع إيران. فهو من الناحية الطوليّة يبدأ من فوهة شطّ العرب جنوباً حتى صخور ماردين شمالاً. وعرضاً من تخوم سلسلة جبال زاجروس شرقاً وحتى بوادي ضفاف الخابور غرباً.

وأمام هذا الجوار الإيراني العراقي اللصيق والقريب والذي تعمّدت ذكره لإيضاح الأمر أكثر، فإنه يتبدّى وللوهلة الأولى السِّعَة التاريخية التي تلامسه واقعاً. فمثل هذا الجوار وهذه الحدود بالتأكيد تركت إرثاً من الخلاف والصلح بين البلدين. وربما يقرأ الواحد منا أنه وما بين حربي جالديران في العام 1514 والحرب العراقية الإيرانية في العام 1980 تقع هناك أكثر من سبعة عشر معاهدة واتفاق وصلح بين البلدين توزّعت ما بين الحدود الجغرافية والسياسية (راجع ما كتبه سيّار الجميل في هذا المجال).

هنا، أصِلُ ما ذكرته بمقدمّة الحديث وهي معادلة laquo;التنوع في عين التضامن والكثرة في عين الوحدة والثبات في عين التعايشraquo; التي قدّمتها إيران لشيعة العراق قبل سبعة أعوام عبر الشيخ هاشمي رفسنجاني، والتي أعتقد أنها تسير وفقها منذ سقوط نظام صدام حسين في أبريل/ نيسان من العام 2003 ودخول القوات الأميركية (مُحتلةً) إلى العاصمة بغداد وإلى الآن.

فالنفوذ الإيراني في داخل العراق هو قوي ومتعدّد ومزدوج ولا يعمل وفق مسار واحد لتحقيق المصالح التي تتناسب مع التاريخ والجغرافيا. وربما كانت التعيينات الدبلوماسية الإيرانية في العراق ما بعد الاحتلال وسِعَتِها تُفسّر ذلك جيداً. فمن حسن كاظمي قمّي وحتى حسن دانائي يتّضح حجم الاهتمام الإيراني بهذا البلد، حيث أن كلا الرَجُلَيْن يتمتعان بنفوذ وحضور سياسي وأمني وعسكري كبير داخل الدولة الإيرانية.

لقد أظهرت الأحداث التي مرّ بها العراق بدءاً من تسلّم الأحزاب السياسية/ الدينية الحكم فيه ومروراً بحرب laquo;جولة الفرسانraquo; بين حكومة المالكي وجيش المهدي وانتهاءً بالانتخابات الأخيرة كيفية التعاطي الإيراني مع أحداثه. فطهران تقود محورها laquo;الرئيسيraquo; في العراق عبر تبنّي أحزاب سياسية شيعية (كتلة بشرية مذهبية) وتقود هامشها laquo;الرئيسيraquo; عبر المجموع السياسي/ الديني العراقي كيما اتفق (موزاييك إثني/ طائفي).

ضمن المحور الرئيسي، بدأت إيران في التعامل مع الشأن العراقي ليس وفق المُحدّدات التاريخية لعلاقتها مع الأحزاب، وإنما لظروف واقع اليوم. فقبل الاحتلال الأميركي كانت علاقتها بالصدريين laquo;رماديّةraquo; لكنها توثقت بعد العام 2006. وكذلك الحال مع حزب الدعوة (المركز وتنظيم العراق) ومنظمة العمل الإسلامي (المُدرّسي) وبالتالي فإن حصر علاقاتها مع المجلس الأعلى الإسلامي العراقي (الحكيم) والأكراد (الفيْليين/ النعماني) غير صحيح.

وضمن الهامش الرئيسي نرى أن طهران لم تعد تعتمد في العراق على حضورها المذهبي عبر الأحزاب والمخزون البشري الشيعي فيه فقط، وإنما بدأت في التمدّد حتى مناطق الأنبار في الغرب والغور laquo;السّنيraquo; وكذلك الطوائف الأخرى من مسيحية وصابئة ومندائية وحتى الطرق الصوفيّة، التي استثمرت بعضها في حمل السلاح ضد الأميركان.

من بين كل تلك التفصيلات يتضح لنا كيفية تعاطي طهران مع تشكيل الحكومة العراقية. فالمجلس الأعلى الذي كان ولايزال يُشكّل أبرز حلفاء إيران في العراق بات في غير اتفاق معها حول رؤيتها لتشكيل الحكومة. في حين أن الصدريين وحزب الدعوة الذين يأتون في رتبة أقل من المجلس الأعلى باتوا في حالة اتفاق شبه تام مع طهران حول رؤيتهم في تشكيل الحكومة وبرنامجها خلال المرحلة القادمة.

وهو ما يُدلُّ على طبيعة النظرة الإيرانية لواقع العراق ومصالحها فيه وكيف أنها باتت تعتمد على laquo;واقع الحالraquo; أكثر من التخندق في علاقات تاريخية مع أحزاب بعينها كالمجلس وغيره. وإذا ما ثبّتنا تلك المعادلة فإن الأكيد، أن بورصة العلاقات الإيرانية العراقية (الفرعية/ الأحزاب) هي في صعود وهبوط وغير مستقرة على معدّل واحد.

وهو ما يعني أن صورة laquo;الحليفraquo; العراقي لإيران باتت رجراجة، ولا تزيد عن كونها laquo;دوراًraquo; مؤقتاً وضمن سياق تاريخي مُحدّد، مع التأكيد على أن ذلك لا يعني قطع طهران لعلاقات تاريخية أنفقت عليها الكثير، لكنها قد تُرحّلها أو تؤجلها أو تُكيّفها ولو عبر المنحى الديني والعلاقات الشخصية. (وللحديث صلة).