خيرالله خيرالله
لا فائدة تذكر من اللف والدوران، ولا من اجتماعات مصالحة تعقد في دمشق أو غير دمشق. ولا فائدة البتة من بحث عن مشروع سياسي جديد بديل من المشروع الواضح الذي يقبل به المجتمع الدولي ويدعمه. بدل الدوران على الذات تفادياً للتعاطي مع الواقع، يفترض في حركة laquo;حماسraquo; أن تفكر جدياً في الخروج من الطريق المسدود الذي بلغته عن طريق اعتماد قرارات شجاعة. ماذا يعني ذلك على الصعيد العملي؟ انه يعني أول ما يعني السعي إلى وقف عملية الهرب المستمرة إلى أمام، التي كلفت أهل غزة والقضية الفلسطينية الكثير، والانضمام إلى المشروع السياسي الوحيد القابل للحياة الذي اسمه البرنامج السياسي لـ laquo;منظمة التحرير الفلسطينيةraquo;. هذا البرنامج الذي أقره المجلس الوطني في دورته التي انعقدت في الجزائر في نوفمبر من العام 1988.
الطريق إلى واشنطن معروفة، كذلك الطريق إلى المصالحة الفلسطينية. لا معنى لأي كلام عن دعوة واشنطن إلى فتح حوار مع laquo;حماسraquo; وإلى ممارسة ضغوط أميركية على السلطة الوطنية وlaquo;فتحraquo; كي تتحقق المصالحة الوطنية الفلسطينية. مثل هذا الكلام إضاعة للوقت لا أكثر، خصوصاً أن قنوات الاتصال بين الفلسطينيين والأميركيين مفتوحة من جهة، وأن تحقيق المصالحة يمكن أن يتحقق في لحظة بمجرد أن تعلن laquo;حماسraquo; موافقتها من جهة أخرى على الوثيقة المصرية التي لم تعد تحتاج سوى إلى توقيع من شخص يمثل الحركة أكان من الداخل الفلسطيني أو من خارجه...
أن تعرف كيف تخسر في السياسة، أهم بكثير من أن تعرف كيف تربح. من لا يعرف كيف يخسر، لا يعرف كيف يربح ولا يستطيع أن يربح يوماً. لقد خسرت laquo;حماسraquo; في السياسة نظراً إلى أن رهانها كان دائماً على الشعارات الفارغة وعلى فشل أي مفاوضات فلسطينية- إسرائيلية. حسناً، يمكن للمفاوضات أن تفشل، ماذا بعد ذلك؟ هل في استطاعة الجانب الفلسطيني، في حال كان يريد بالفعل المحافظة على القضية وإزالة الاحتلال يوماً، الرهان على شيء آخر غير التمسك بالبرنامج الوطني، والعمل في الوقت ذاته على بناء المؤسسات الفلسطينية كي تكون جاهزة لممارسة سلطة الدولة على أي أرض ينسحب منها المحتل الإسرائيلي.
قبل كل شيء، تكمن خطورة دعوة laquo;حماسraquo; الإدارة الأميركية إلى فتح حوار معها عودة إلى خلف. هناك حوار أميركي- فلسطيني منذ العام 1988، بعدما ألقى ياسر عرفات الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني، خطابه الشهير في جنيف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة التي نقلت جلستها إلى تلك المدينة السويسرية بناء على رغبة فلسطينية.
لم تكتف الإدارة الأميركية وقتذاك بخطاب laquo;أبو عمّارraquo;، فاضطر الأخير إلى ايضاح نقطة معينة في مؤتمر صحافي عقده لاحقاً فاتحاً الأبواب أمام بدء الحوار مع واشنطن عبر سفيرها في تونس. ثمة حاجة للعودة إلى التاريخ وأحداثه التي لم يمرّ عليها الزمن بعد لتوضيح أن الفلسطينيين في حوار مع الإدارة الأميركية وهم يعرفون جيداً ما هو المطلوب منهم كي يستمر هذا الحوار وكي يحشروا إسرائيل في الزاوية، أقلّه سياسياً. ما الذي تستطيع laquo;حماسraquo; تحقيقه أكثر مما تحقق حتى الآن عن طريق فتح حوار بينها وبين واشنطن، هل تريد العودة إلى أعوام طويلة من النضال أوصلت laquo;منظمة التحرير الفلسطينيةraquo; إلى احتلال موقع عضو مراقب في الأمم المتحدة؟
في النهاية، هناك واقع ليس في استطاعة أي طرف فلسطيني تجاوزه، يفرض هذا الواقع على الفلسطينيين الانصراف إلى مهمة بناء مؤسسات الدولة، والعمل في الوقت ذاته على تجييش المجتمع الدولي من أجل متابعة ضغطه على إسرائيل كي تقبل خيار الدولتين وتنسحب من الضفة الغربية كلها، بما في ذلك القدس الشرقية. هناك صيغة معقولة ومقبولة لتسوية تؤمن للشعب الفلسطيني الحد الأدنى من حقوقه الوطنية. العالم كله يعرف ذلك. ليس صدفة أن يصدر قبل أيام بيان جديد عن اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا والأمم المتحدة) يشدد على ضرورة انهاء الاحتلال وتجميد الاستيطان والسعي إلى سلام شامل في الشرق الأوسط. هناك رغبة دولية في تحقيق السلام في الشرق الأوسط. لا يمكن التعاطي بشكل إيجابي مع هذه الرغبة عن طريق إطلاق الصواريخ من غزة أحياناً، أو عبر توجيه دعوات إلى الإدارة الأميركية كي تباشر حواراً مع laquo;حماسraquo;. هذه مجرد تصرفات عشوائية تكشف افلاساً سياسياً بكل معنى الكلمة.
تستطيع laquo;حماسraquo; احراق منتجع سياحي في غزة. تستطيع أيضاً البقاء إلى ما لا نهاية آسرة الجندي الإسرائيلي الذي تحتجزه منذ يونيو 2006. تستطيع خصوصاً اعتبار أن الحصار الذي يتعرض له القطاع لا يهمها بمقدار ما أن ما يهمها تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني. ولكن أن يترافق ذلك مع الدعوة الجديدة إلى حوار مع واشنطن، فهذا مجرد وهم، خصوصاً أنه سبق للحركة أن طلبت من الرئيس السابق جيمي كارتر نقل رسالة إلى إدارة أوباما عندما زار غزة في يونيو 2009. ماذا كانت نتيجة تلك الرسالة، وهل من عاقل يراهن على جيمي كارتر الذي لم ينجز خلال رئاسته سوى اتفاقي laquo;كامب ديفيدraquo;؟
مرة أخرى، لا يمكن بناء سياسة على أوهام. الطريق إلى خدمة الشعب الفلسطيني وقضيته معروفة، كذلك طريق المصالحة الفلسطينية. الأوهام لا تولد سوى أوهام من نوع الاستعداد للانقضاض على السلطة الوطنية في الضفة الغربية على غرار ما حصل في غزة منتصف العام 2007 برضا إسرائيل وتشجيع منها. مثل هذه الأوهام موجودة في عقول مريضة لا ترى عيباً في استخدام الشعب الفلسطيني وقوداً في معارك ذات طابع اقليمي لاعلاقة له بها من قريب أو بعيد!
- آخر تحديث :
التعليقات