Haleh Esfandiari - Los Angeles Times
لم يقدم المسؤولون الإيرانيون أدنى دليل يدعم تهمة التجسس التي وجهت إلى سارة شورد ورفيقيها الأميركيين الذين احتجزتهم طهران منذ يوليو عام 2009 بتهمة دخولهم الأراضي الإيرانية بطريقة غير مشروعة، ولكن ها نحن نسمع مرة أخرى اليوم حديثاً غامضاً عن المزيد من التحقيقات ومحاكمة وشيكة.
عندما أُطلق الشهر الماضي سراح ساره شورد، التي اعتُقلت مع أميركيَّين آخرَين واحتجزت في سجن إيراني طوال أكثر من سنة من دون أن توجه إليها تهم رسمية، أمل الناس أن يُحرَّر رفيقاها شاين باور وجوشوا فاتال قريباً. إلا أن إيران قلما تعمل بطريقة منطقية، فمن اليوم الأول الذي اعتُقل فيه الأميركيون الثلاثة، فيما كانوا يمارسون رياضة المشي في الطبيعة على الحدود العراقية-الإيرانية في منطقة كردستان العراقية، انقسمت الحكومة بشأن ما يجب فعله بهم.
اتهم الأميركيون الثلاثة أولاً بدخولهم بطريقة غير مشروعة الأراضي الإيرانية، ثم بالتجسس، تهمة اعتاد المسؤولون الإيرانيون إطلاقها جزافاً، حتى أن البعض أرادوا محاكمتهم بتهمة التجسس، رغم غياب الأدلة على ذلك. كذلك، يبدو أن آخرين، داخل حرس الثورة وخارجه، عارضوا إطلاق سراحهم بسبب العلاقات المتوترة بين إيران والولايات المتحدة. في المقابل، أدرك عدد من المسؤولين الإيرانيين الضرر الذي تلحقه هذه القضية بإيران وسعوا لحلها بأسرع ما يمكن.
ولكن من الواضح أن الغلبة لم تكن لهذه الفئة الأخيرة من الإيرانيين، فقد عقّد الإيرانيون هذه الحادثة البسيطة التي كان بالإمكان حلها بسرعة وفاعلية، ووقعت الحكومة الإيرانية مرة أخرى في مأزق من صنع يديها.
عكست الحيرة التي أحاطت بإطلاق سراح شورد عجز المسؤولين الإيرانيين عن حل خلافاتهم. فقد أعلن ناطق باسم الحكومة في التاسع من سبتمبر أنه سيُسمح لها بالعودة إلى وطنها laquo;لأسباب إنسانيةraquo;، معيداً الفضل في ذلك إلى تدخل الرئيس محمود أحمدي نجاد في القضية. كذلك، دُعيت وسائل الإعلام إلى حضور حفل laquo;إطلاق سراحهاraquo; في أحد فنادق طهران الكبرى، لكن الحدث سرعان ما نُقل إلى موقع آخر، ثم أُلغي. وتبين لاحقاً أن الجهاز القضائي، الذي لم يُستشَر في هذه القضية، عارض إطلاق سراح شورد. ولكن بعد يومين، بدل هذا الجهاز رأيه وسمح بخروج شورد من السجن بعد دفعها كفالة.
لم يقدم المسؤولون الإيرانيون أدنى دليل يدعم تهمة التجسس، ولكن ها نحن نسمع مرة أخرى اليوم حديثاً غامضاً عن المزيد من التحقيقات ومحاكمة وشيكة.
اختبرت أنا أيضاً التجربة المروعة التي يعانيها الأبرياء في إيران اليوم بسبب أجهزتها الأمنية الكثيرة الارتياب وحكومتها المنقسمة، ففي عام 2007، أوقفتني وزارة الاستخبارات الإيرانية واستجوبتني، ثم رمتني في السجن.
بدأت هذه القصة عندما كنت متوجهة إلى مطار طهران لأستقل الطائرة، عائدةً إلى الولايات المتحدة بعد أن قدِمت إلى إيران لأعود والدتي المسنة، فأرغمت مجموعة من المعتدين السيارة التي استقللتها على الخروج عن الطريق وسلبتني تحت تهديد السلاح كل ممتلكاتي، بما فيها جواز سفري. لذلك، كان علي قبل أن أغادر البلد أن أستحصل على جواز سفر جديد. لكن هذا الطلب دفع الوزارة إلى التحقق من خلفيتي. ومن الأسئلة التي طُرحت علي لاحقاً, أدركت أن رجال الاستخبارات دبروا عملية السرقة بغية اعتقالي واستجوابي.
طوال ستة أشهر، لم يُسمح لي بمغادرة البلاد وتعرضت للاستجواب كل يوم تقريباً، أحياناً لثماني ساعات متواصلة. ومن ثم توقفت عمليات الاستجواب فجأة وطوال أحد عشر أسبوعاً لم أسمع أي خبر جديد. وعلمت أن المسؤولين داخل وزارة الاستخبارات والحكومة كانوا يتفاوضون بشأن مصيري، وفي النهاية، استُدعيت مجدداً إلى الوزارة، حيث سُلّمت مذكرة توقيف وأُخذت مباشرة إلى سجن أفين. وهكذا فاز المتشددون. فاستؤنفت عملية الاستجواب وأمضيت الأيام المئة والخمسة التالية في سجن انفرادي.
بعد مرور بضعة أيام على استجوابي في السجن، أُعطيت صفحة من laquo;كايهانraquo;، صحيفة مقربة من وزارة الاستخبارات، تضمنت مقالاً حمل عنواناً جريئاً هاجمني وهاجم زوجي واصفاً إياناً بالجاسوسين الصهيونيين الأميركيين. كان المقال مليئاً بالأكاذيب. وبدا لي أن المتشددين في الوزارة كانوا يمهدون لمحاكمة صورية.
انتابتني موجة من الغضب والخوف، فقلت للمحققين اللذين كانا يستجوباني: laquo;هذا عملكمraquo;. كان الغضب بادياً في عيني، وبعد بضعة أيام، أكد لي رئيس المحققين أنهم لن يسمحوا بصدور مقالات مماثلة بعد اليوم، مع العلم أن laquo;كايهانraquo; واصلت الكتابة عن laquo;الجاسوسةraquo; إنما بشكل مقتضب وأكثر تكتماً.
كانت التهمة الرئيسة في حالتي مساعدتي الحكومة الأميركية في تأجيج laquo;ثورة مخمليةraquo; في إيران، لكن عملية الاستجواب التي دامت أسابيع لم تفضِ إلى الأدلة أو الاعترافات التي أملت وزارة الاستخبارات الحصول عليها. وعلى غرار ما حدث مع هؤلاء الأميركيين الثلاثة، تراجعت عملية الاستجواب تدريجياً، إذ لم يبقَ لهم ما يسألونهم عنه.
على الرغم من ذلك، لم أغادر السجن. أخبرني كبير المحققين أكثر من مرة: laquo;نريد إطلاق سراحك، بيد أن الأصدقاء [أي رؤساءه] غير راضين عن ذلكraquo;. وظهرت أدلة إضافية على تواصل الانقسامات الداخلية، وعندما أُطلق سراحي في نهاية شهر أغسطس عام 2007، أراد المحققون الذين استجوبوني أن أخرج من البلد في الحال. فقال لي أحدهم، حين سلمني جواز السفر صباح يوم السبت: laquo;عليك الرحيل الليلةraquo;.
بما أن العاملين في الوزارة قرروا إخلاء سبيلي، فقد خشوا أن يفسد متشددون آخرون في الحكومة هذه الصفقة. وكما هو متوقع نشرت laquo;كايهانraquo; في افتتاحيتها أن كفالة قدرها 300 ألف دولار طُلب من أمي دفعها لإطلاق سراحي ما هي إلا قيمة زهيدة بالنسبة إلى laquo;رؤسائيraquo;، الحكومة الأميركية.
بعد سنتين من إطلاق سراحي، أشار أحمدي نجاد علناً إلى الانقسامات داخل الحكومة بشأن قضيتي، فمن بين الأسباب التي عددها لطرده وزير الاستخبارات، ذكر أنه بدل ملاحقة laquo;تلك المرأة العجوزraquo;، هالة إسفندياري، كان حريا بوزير الاستخبارات ملاحقة المخططين الحقيقيين للثورة المخملية في إيران.
ولعل أصعب ما واجهته في السجن عدم معرفة ما سيحدث، وأنا واثقة من أن هذا ما عانته شورد ومازال زميلاها يواجهانه، ففضلاً عن التهديدات ومحاولات الترهيب، تعتمد وزارة الاستخبارات تقنية إبقاء المساجين في ظلمة تامة. فلم أعرف مطلقاً ما إذا وُجّهت إلي تهم رسمية أو ما كان رجال الاستخبارات أو قاضي التحقيق يخططونه لي. لم يخبروني ما إذا كان اعتقالي سيستمر لشهر إضافي أو طوال سنة أو حتى عشر سنوات. خشيت أن أخضع لمحاكمة صورية، على غرار laquo;المتآمرينraquo; المزعومين الآخرين. ولم أعرف ما إذا كنت سأرى عائلتي مجدداً.
أدت الاحتجاجات الدولية دوراً أساسياً في لفت الانتباه إلى حالتي، لكن إطلاق سراحي تطلب في النهاية تدخل المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، فقد أمر قادته بإقفال التحقيق وقضيتي. وتحتاج هذه القضية اليوم إلى تدخله أيضاً، فقد آن الأوان لتحرر إيران الشابين الأميركيين وتنهي عملية احتجاز لم تعُد عليها إلا بالخزي والانتقادات.
* مديرة برنامج الشرق الأوسط في laquo;مركز laquo;وودرو ويلسونraquo; الدولي للباحثين.
التعليقات