ريما الفقيه وسؤال الهويّة في برنامج laquo;في الصميمraquo;

لندن


تعاقد الهويّات وتضافرها وتداخلها لتشكيل مآلات الإنسان وتحديد مصائره وتثبيت خياراته ورسم معالم حياته ومستقبله، الخلفيّات الدينيّة والقوميّة والسياسيّة لحوادث غير سياسيّة، أولوّيات الإنسان والهوّيّة المركّبة، وانحيازاته لأيّ جزء من الأجزاء التي تشكّل هويّته، وتراتب هذه الأجزاء - الهوّيّات، لديه... قضايا كثيرة متعلّقة بسؤال الهوّيّة، ناقشها الإعلامي حسن معوّض مع ملكة جمال الولايات المتحدة، اللبنانيّة الأصل، الأميركية الجنسية، ريما الفقيه، في برنامجه laquo;في الصميمraquo; الذي تعرضه قناة laquo;بي بي سيraquo; العربيّة. معوّض في هذه الحلقة، استضاف شخصيّة غير سياسيّة أو ثقافيّة، وفاجأنا باستضافة شخصيّة أميركيّة عامّة، تتفادى الخوض في المسائل والقضايا السياسيّة، إلا أن ما يمكن تسميته بـ laquo;اللؤم الصحافيraquo; يأبى إلا أن يجرجر الهارب من السياسة إلى منغصاتها وإحراجاتها ومضايقاتها! وقد نجح معوّض في ذلك، أيّما نجاح، إلى جانب استنطاق ضيفته في أمور سياسيّة وقضايا إشكاليّة فأتت إجابات الفقيه بسيطة، وبلغة عاميّة، وعميقة، وتنطوي على مقدار لا بأس به من دهاء الأنثى، والديبلوماسيّة الفطريّة التي تتحلّى بها كل امرأة.

وعن رأي الفقيه بمن شككوا في أهليتها بالتاج الأميركي، وتعليلهم فوزها به، بقولهم إنها مسلمة، كان ردّ الفقيه: laquo;كانوا سيقولون أيضاً، لقد خسرت في المسابقة، لأنّها مسلمةraquo;!

وعن علاقتها وموقفها من laquo;حزب اللهraquo; اللبناني، لكون الفقيه شيعيّة ومن قرية في الجنوب اللبناني، حاولت الفقيه تجنّب الردّ. وتفادياً لإصرار معوّض، اكتقت بالقول: laquo;ليس لديّ شيء ضدّ أحدraquo;. والجواب ذاته، كررته الفقيه ردّاً على سؤال موقفها من اسرائيل والإسرائيليين والعلاقة بهم والتواصل معهم. وذكرت الفقيه أن اميركا هي بلد الفرص، laquo;لا يُسأل المرء فيه عن دينه وأصلهraquo; وأن وصول أوباما لرئاسة الولايات المتحدة laquo;شجّعها على خوص هذه المسابقةraquo;، وتمنّت أن يكون في المشرق والبلاد العربيّة رئيس مثل أوباما.

وذكرت مراراً أنها فخورة بلبنانيّتها وإسلامها. وأشارت الى إنها حاولت أن تبدد الهواجس والأوهام التي تشكّلت لدى العرب والمسلمين في الولايات المتحدة، بعد 11 أيلول (سبتمبر) بأنّهم مهمّشون، وأن بإمكانهم تحقيق طموحاتهم ونيل فرصهم. إضافة إلى تبديد الهواجس والأوهام المتشكّلة لدى الأميركيين حيال العرب والمسلمين بعد أحداث 11 أيلول. وكانت الفقيه، وبلغتها البسيطة، تكرر: laquo;الجمال الداخلي، أهمّ من الجمال الخارجيraquo;، وأنها أرادت ان تثبت للأميركيين ذلك.

ومضى الحوار سلساً مرناً، إلّا أن معوّض كان يحاورها، بلغة صحافيّة مسبوكة، وكأنّه يجادل سياسيّة مخضرمة، يودّ انتزاع الإجابة منها انتزاعاً، بدلاً من محاورتها بطريقة أخفّ وطأة، وأكثر سلاسة واستساغة لدى وعي ريم الفقيه. لكنّ معوّض، كان يلحّ ويصرّ على ضيفته للإجابة باقتضاب وتكثيف وكأنّها محترفة في فنّ الكلام والبلاغة، من دون مراعاة تأثير اللغة الإنكليزيّة عليها. ميزة مقاطعة الضيف، من قبل مقدّم أي برنامج حواري، مفيدة، لتقنين الوقت، وعدم الإفراط فيه، عبر الإجابات المسهبة، إلّا أن هذه الميزة، لدى حسن معوّض، تتحول الى التشويش على الضيف. وظهر هذا جليّاً في حواره مع ريم الفقيه، إذ جعلها تخرج عن هدوئها، في نهاية الحلقة، وتعود للانفعال الشرقي، مطالبة بإنهاء البرنامج، بحجّة أن معوّض يريد أن يكيّف كلامها حسب ما يريد، وأن laquo;يقوّلها ما لم تقلهraquo;. صحيح أن معوّض لم يفعل ذلك. إلّا أن مقاطعاته المتكررة، وإصراره على انتزاع الإجابة، زاد من توتّر الضيفة، وجعل الأمر يلتبس عليها، وتظنّ بمقدّم laquo;في الصميمraquo; سوءاً! وأنهت الفقيه البرنامج بأنها laquo;لبنانيّة اميركيّةraquo;، مرجّحة الأصل الشرقي على الجنسيّة الغربيّة، مع افتخارها بالاثنين! وبدا عليها laquo;النرفزةraquo; الشرقيّة العربيّة، الى جانب الجمال الشرقي العربي!

أيّاً يكن الأمر، حلقة laquo;في الصميمraquo; التي استضاف فيها حسن معوّض ملكة جمال أميركا، كانت ناجحة، وحصل فيها مقدّم البرنامج على الإجابات التي أرادها، وطرحت فيها الضيفة الأفكار التي تريدها، واستمتع المشاهد، بل وتفاجأ بالكثير مما لم يكن يتوقّع عن الضيفة، والتي بددت، ببساطة وجمال، الكثير من التشويهات والتحريفات والتحاملات المتعمّدة حول الولايات المتحدة، من صنف ما نقرأ ونسمع ونشاهد في الإعلام العربي. ولعلّ أبرز فكرة خرج بها المشاهد من تلك الحلقة من laquo;في الصميمraquo; هي، مثلما هناك في الولايات أناس مثل جورج دبليو بوش، هنالك أناس مثل باراك أوباما وريم الفقيه أيضاً.