سيد أحمد الخضر


أولاً، أنا لست ضد جمال مبارك بل على العكس من ذلك فقد عبّرت عن تأييدي المطلق له وعبر هذا المنبر بالذات لأنني كمواطن عربي أرى أنه الأصلح لقيادة مصر العظيمة لأسباب سُقتها في حينها. ما أنا بصدده الآن هو التعرض لأوجه الاختلاف، والاتفاق إن وجدت، بين ولي عهد مصر والوريث المرتقب لعرش كوريا الشمالية، لأن هذه المقارنة قد تعين على قراءة الحياة السياسية في البلدين كما تحدد أيضا مستوى أهميتهما على الساحتين الإقليمية والدولية.
إن أوجه الاتفاق بين الشابين قليلة جداً فعدا أن كلاً منهما مرشح لخلافة رئاسة دولة من العالم الثالث حَكَمها والده سنين طويلة ليس هناك من قواسم مشتركة بين الرجلين، فبينما كُتب على الكوريين جميعا أن يستجيبوا لبيعة خليفتهم المقبل هناك في مصر من يقول علانية لا للتوريث وحتى من يقولون كفاية للوالد. وفي حين نلاحظ أن الوصاية لجمال يلفها الخجل ويحيط بها الغموض حيث لم تبلغ للشعب بشكل رسمي نرى الجماعة في كوريا أقدر على حسم الأمور وأكثر إيماناً بإخلاص الشعب للقيادة، لذلك لم ينفقوا كثيراً من الوقت في جس نبض الساحة وقراءة ردة فعل الشارع كما يفعل المصريون دائما. وهناك أيضا فرق في طبيعة إعداد القائدين للمستقبل حيث أُعد جمال مبارك تحت الأضواء وتعامل بسرعة مع رجالات حزب الوالد والوزراء وربما عرج على قطاع المال والأعمال قبل أن يتولى بنفسه قيادة لجنة السياسات في الحزب الحاكم، أما في كوريا فكان الأمر على النقيض تماماً لأن الزعيم المنتظر تم تأهيله بعيدا عن أعين الرأي العام حتى إنه درس في الغرب باسم مستعار، والفرق بين التربيتين هو أن الأخيرة أبعدت صاحبها عن التجاذبات السياسية ونقاش مدى أحقيته في المنصب في حين كانت نتائج الأسلوب الأول أقل إيجابية ففي كل مناسبة يثير المصريون الموضوع وتتناوله الصحافة بطريقة ربما تنتقص من جمال أو تسيء لصورته في أذهان الناس.
ولعل الملاحظة الجديرة بالتأمل هي أنه رغم مضي عدة سنوات على تسويق السيد جمال مبارك رئيسا مرتقبا لمصر بعد والده فإن الاهتمام بهذا الشاب يكاد يكون معدوما فما عدا بعض المظاهرات الصغيرة والأحاديث الخجولة في مصر حول جدارته بالحكم من عدمها لا ترى أي جهة تهتم بمن سيرث ملك مصر فحتى بعد أن سافر الابن مع أبيه إلى الولايات المتحدة عزفت الصحافة الدولية عن الحدث، ورغم المكانة الكبيرة التي تحتلها مصر كأهمِ قطب في الشرق الأوسط وضامنٍ للسلام وحليفٍ أساسي للغرب فإن أي دولة لم تعبر عن رأيها في جمال مبارك لا بالسلب ولا بالإيجاب، بينما نرى العكس من ذلك تماما في حالة كوريا الشمالية حيث يبدو العالم كله، الأصدقاء والأعداء، يراقب حركات وسكنات كيم أون وتخصص الصحف ووكالات الأنباء الغربية مساحات كبيرة للحديث عن سيرته وهواياته، ويرقب الساسة في الغرب وفي الصين وكوريا الجنوبية تدرج الشاب في المناصب، ومن هذا ندرك أن جمال مبارك ماركة محلية فلا أحد يوليه اهتماما خارج أرض الكنانة، على عكس الشاب الكوري حديث الساعة في آسيا والولايات المتحدة وحتى أوروبا.. لكني لا أعتقد أن مرد هذا يرجع إلى الصدفة ولا حتى لشخصيتَيْ الشابين إنما لسببين أساسيين، أولهما أن موضوع الخلافة في مصر لم يُحسم بعد حتى في الحلقة الضيقة المحيطة بالرئيس المصري وهذا ما تدل عليه بعض التسريبات التي تقول باحتمال طرح مرشح آخر مثل عمر سليمان أو الاعتصام بالوالد نفسه إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا، لذلك ليست دول الجوار في عجلة من أمرها، وما دام الغرب الذي لا تخفى عليه خافية في مصر لم يعط رأياً في الزعيم الشاب فإن هذا يؤكد أن الموضوع لم يحسم على المستوى المحلي، هذا أولاً، وثانياً، نعلم أن الزعيم الجديد لكوريا سيتسلم قيادة دولة نووية تملك جيشا مشاكسا ودائما ما يزعج عواصم كثيرة، ومن واجب العالم أن يهتم بهذا الوافد الجديد ومراقبة ما إذا كان مستعداً لإدخال تعديلات على عقيدة الحرب ومبادئ التحدي، بينما يختلف الأمر في مصر لأن الجيش هناك مهذب الأخلاق ويعي مسؤولياته تجاه السلم الإقليمي وقد نَبَذ العنف من قديم الزمان لصالح السير في موكب الاعتدال، ولن ينجر تحت أي ظرف لدخول مغامرات غير محسوبة، وهذا قد يقلل من اهتمام العالم بجمال مبارك فلن يأتي من مصر إلا الخير بغض النظر عمن يكون الرئيس.