جهاد الخازن


القارئ العربي قد لا يعرف مارتن بيريتز، فأقدِّمه له عبر بعض أقواله:

- بصراحة، لا أتصور أن أي مشروع يتطلب الثقة مع العرب سينتهي بخير. هذا ما قد تقولون إنه تحاملي. إلا أن بعض التحامل يقوم على حقائق، والتاريخ يثبت صوابي. تفضلوا وأثبتوا أنني مخطئ.

- ولكن بصراحة، حياة المسلمين رخيصة، خصوصاً للمسلمين، وبين المسلمين الذين يقودهم الإمام رؤوف (صاحب مشروع المركز الإسلامي قرب موقع إرهاب 11/9/2001) لا يوجد تقريباً أي واحد أثار ضجة (احتجاجاً) على سفك الدم العشوائي الذي هو صفة إخوانه. وهكذا، نعم أستغرب الحاجة الى تكريم هؤلاء الناس والادعاء انهم يستحقون فوائد التعديل الأول للدستور التي أشعر بأنهم سيسيئون استخدامها.

- هزيمة العرب في فلسطين والحروب الخمس مع الدول العربية في 1948 و1967 و1973 (هكذا في الأصل)، جعلت من شعب وهمي قوة سياسية. ولا نعرف بعد إن كانت هذه القوة السياسية ستنمو كشعب حقيقي. أراهن بِلا.

- الفلسطينيون قد لا يكونون الأمة الفلسطينية. إلا أنهم ما هم عليه، وواشنطن ليست التي تجعلهم واهمين (متعلقون بالأوهام).

- فقط إذا كنت من دون بصر في غزة تستطيع أن تعتقد أن هؤلاء الناس (الفلسطينيين) أمة.

هناك من قالوا، أو كتبوا، أسوأ كثيراً مما سبق، مثل حاخامات اليمين الإسرائيلي والأميركي، والحاخام عوفايدا يوسف قال إن العرب أفاعٍ وحشرات، ودعا الى طاعون يقتل الفلسطينيين، غير أنني اخترت بيريتز اليوم لأن خلفيته في التطرف لم تمنع جامعة هارفارد من مكافأته، وأعلنت لجنة الشهادات في العلوم الاجتماعية منحة بمبلغ 650 ألف دولار تحمل اسمه، مع العلم ان اسمه موجود على laquo;كرسي مارتن بيريتز في أدب (لغة) اليدبشraquo;، أي لغة يهود أوروبا، وهي خليط من العبرية ولغات أوروبية.

مارتن (يدلعونه مارتي) بيريتز تعلّم في جامعة هارفارد وعلّم فيها، وهو ناشر laquo;نيو ريببلكraquo; اليهودية ورئيس تحريرها، ومجلته يفترض أن تكون ليبرالية، وهي كذلك إلا في موضوع العرب والمسلمين، وتحديداً الفلسطينيين. وبيريتز يقول: laquo;أنا مغروم بدولة اسرائيلraquo;.

أخطر ما يرتكب انسان هو أن يرد على التطرف بمثله، فهو إذا فعل يكشف تطرفه، ويبرر تطرف الآخر. وفي موضوع بيريتز بالذات لا يحتاج أي فلسطيني أو عربي أو مسلم أن يرد فقد كفاه يهود أميركيون وغيرهم مؤونة الرد، وقالوا عنه انه متطرف وعنصري، ووصف المعلق في laquo;نيويورك تايمزraquo; نيكولاس كريستوف كلام بيريتز بأنه منحط، وكان كريستوف اعتذر في مقال له للمسلمين جميعاً عن الإهانات التي تلحق بهم هذه الأيام.

وربما ما كنت عرفت عن الموضوع لولا مجلة الطلاب laquo;هارفارد كريمزونraquo; فهي حملت على بيريتز، وعلى إدارة الجامعة لتكريمها ذلك المتطرف الكريه، وتظاهر مئات الطلاب ضده، وحملوا لافتات سجلت عليها تصريحاته العنصرية، وانتقده أساتذة في حفلة تكريمه، وانسحب آخرون احتجاجاً.

أعتقد من متابعتي أخبار اليهود الأميركيين تحديداً أنه مقابل كل واحد من نوع بيريتز هناك اثنان أو أكثر من نوع كريستوف، ولا تجوز الإشارة الى متطرف وكأنه يمثل كل جماعته أو طائفته، وإنما تقتضي الموضوعية ان تسجل مواقف الآخرين.

أنصار بيريتز احتجوا بالتعديل الأول للدستور الذي يحمي حرية الكلام، وسأعفي القراء من جدال حول هذه المادة وإنما أحكي لهم قصة ذات دلالة، فالمحكمة العليا تنظر الآن في قضية رفعها والد جندي أميركي قتيل على جماعة دينية تتظاهر في جنازات الجنود القتلى وهي ترفع شعارات تقول laquo;الحمد لله على 11/9raquo; و laquo;الحمد لله على الجنود القتلىraquo; و laquo;الله قتل جنودناraquo;. والمتظاهرون هؤلاء ليسوا من جماعة ضد الحرب وانما من كنيسة معمدانية صغيرة تعارض الشذوذ الجنسي، وتعتقد أن كل المصائب التي تحل بأميركا سببها الموافقة على الشذوذ، تماماً مثل رجل الدين الإيراني الذي اعتبر الزلازل التي تضرب إيران سببها ارتداء بعض الإيرانيات التنورة laquo;المينيraquo;.

التطرف، مثل الكفر، مِلَة واحدة.