عبدالعزيز جار الله الجار الله
توحد العالم على اختلاف أطيافه وثقافاته ومعتقداته مع عمال المناجم في التشيلي المحاصرين لمدة وصلت إلى (70) يوماً تحت الأرض في منجم سان خوسيه .. بالطبع هي حالة إنسانية لأناس حبسوا أنفاسهم في بئر ونفق تحت الأرض بعمق 700م ولأكثر من شهرين وهو الأمر الذي جعل الآخرين يتوحدون معهم.
قناة الجزيرة مع قنوات عالمية أخرى نقلت عملية الإنقاذ على الهواء مباشرة وأعطت مساحة للتعليق والتعبير عبر شريط التعليقات فجاءت تعليقات الجماهير العربية جلداً للذات وتوبيخ ولوم واستهجان وعبارات مشينة تقارن بين الرئيس التشيلي سيباستيان وموقفه الصامد مع (33) من أبناء شعبه وجلوسه على فوهة البئر ليوم وليلة يستقبل العالقين في المنجم ومقارنته مع بعض القيادات العربية والإسلامية على طول تاريخها على الأقل من بعد الانفكاك من الاستعمار في منتصف القرن العشرين الميلادي حيث انفصلت عن شعوبها.
التعبيرات جاءت تشير لو أن الخندق والمنجم في الوطن العربي لردمت فوهة البئر كما ردمت فوهة المنجم ولأسدل عليها التراب و(رديم) الحجارة ولأصبح (33) من عمال المناجم في أعداد المفقودين والأموات هكذا جاءت التعابير مباشرة على شريط التعليقات تعكس الحالة النفسية التي يعيشها الإنسان العربي الذي يشعر أنه خرج من زمن الاستعمار الغربي ليدخل في ظلام ونفق مسدود كما دخلوه عمال المنجم التشيلي وخرجوا منه أي العمال بإرادة قيادتها، لكن العرب مازالوا عالقين في نفق أوروبا وأمريكا وإسرائيل وكأن مستعمر الأمس لم يرحل وما زال حاضراً وهنا المأزق الذي ما زال العرب عالقين به هو التحرر النفسي من الأمس ومن ماضي الاستعمار.. وأنا هنا لا أقول أن (ننسف) التاريخ خلف ظهورنا إنما الانعتاق من وخزات الأمس والنظر إلى المستقبل... الشعوب العربية (نائحة) لأن بلدانها لم يُعد ترتيبها وترميمها حضارياً، صحيح أن بعض الدول العربية أعادت بناء نفسها وطورت دواخلها بإعادة هيكلة أركانها بأسلوب حضاري يتواكب مع التطور الحضاري الذي شمل العالم لكن بعضها أهمل التطوير وانشغل في قضايا جانبية حتى غرق بالجهل والفقر... وحتى يتحرر العرب من الفقر والجهل والمرض لا بد أن (نرحل) جماعياً عن لغة (الشتائمية) والسباب إلى لغة (المحاسبية) الإيجابية للنفس والسلوك رحيل إلى إيقاظ الضمير عبر الرغبة في التعليم والمعرفة والتواصل مع الآخر على طرف الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي (جندي) الأمس ولكن مع بقاء الكرامة الوطنية والهوية العربية... أدرك أن هذا القول يدخل في المثالية أو حتى (المزايدة) لكن الشتائم والعبارات المشينة المحيطة تبقيا زمناً أطول في المربع المظلم في الوقت الذي تتسع الهوة مابيننا والآخر.
التعليقات