خلف الحربي


لا يمكن أن يتعاطف أي إعلامي مع قرارات إغلاق أي وسيلة إعلامية، ولكن القرارات المتتابعة بإغلاق بعض القنوات الفضائية التي تتدثر برداء الإسلام لتنشر الكراهية وتقدم فنونا في التحريض هو أمر لا بد منه للسيطرة على حالة الانفلات الإعلامي التي صنعها بعض المحسوبين على التيار الإسلامي، فهؤلاء الذين اتخذوا موقفا متشددا من البث الفضائي لسنوات طويلة، واعتبروا أنه وسيلة غربية لنشر العهر والفسق في ديار المسلمين انكبوا فجأة على القنوات الفضائية؛ ليصبح لكل شيخ منهم قناته الفضائية التي تقدم طرحا متشددا لا يمكن تصنيفه إلا في إطار العهر الإعلامي.

وقد أشار الزميل عبدالرحمن الراشد في عموده في صحيفة الشرق الأوسط إلى نقطة بالغة الأهمية، وهي أن الكثير من هذه القنوات تستغل أموال الصدقات لتشغيل هذه الفضائيات مستندة إلى فتاوى تجيز استخدام هذه الأموال لأجل الترويج لبعض الأفكار المريضة تحت شعار خدمة الإسلام، وبدلا من أن توجه هذه الأموال إلى فقراء المسلمين الذين لا يجد بعضهم قوت يومه أصبحت توجه إلى إثارة الفرقة بين المسلمين وإشعال نار العداوة فيما بينهم.

والأدهى والأمر أن بعض المشاهدين وتحت وطأة الحماس والجهل يمولون هذه القنوات من خلال رسائل الجوال التي تقطر حقداً وكراهية وبذاءة، واليوم يزخر الفضاء العربي بالعديد من القنوات الفضائية المتخصصة بالسباب والشتم والشعوذة؛ بالإضافة إلى استقطابها بعض الأسماء التي لا تستحق هذه المساحة من الظهور لأنها لا تملك أي تاريخ إعلامي أو دعوي، وكانت تصنف طوال السنوات الماضية في خانة خفافيش الإنترنت التي اعتادت على شتم عباد الله بأسماء مستعارة، وحين ظهرت على شاشة التلفزيون مارست نفس الأسلوب لأنها ببساطة تعتقد أن ذلك هو ما يسمى بالإعلام الجريء.

ثمة مساحة هائلة بين الصراحة والوقاحة... ولعل آخر شيء يمكن أن يتشدق به أصحاب هذه القنوات هو التغني بمبادئ حرية التعبير، لأن هؤلاء ألد أعداء الحرية، وهم يسعون من خلال أطروحاتهم الفضائية لخنق حرية التعبير، ونشر روح البغضاء، وتكميم أفواه من يختلفون معهم بالقوة، ولو كانت هذه القنوات تبث موادها الرديئة من إحدى الدول الديمقراطية لتعرض أصحابها للملاحقة القانونية والمحاكمة بسبب أطروحاتهم العنصرية، وإرهابهم الفكري، ومحاولاتهم الدائمة لنشر الكراهية.

نحن لا نريد أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه لكل منظمة إرهابية قناتها الفضائية تحت شعار حرية التعبير، وثمة العديد من القنوات الإسلامية وغير الإسلامية التي تقدم العديد من المشايخ والعلماء والمفكرين الإسلاميين الذين يستحقون كل تقدير واحترام... أما هؤلاء النكرات الذين ظهروا علينا فجأة من قنوات الردح الإسلامي فلم نقرأ لهم كتابا أو حتى مقالة في يوم من الأيام، فنجحوا في مغازلة مشاعر العامة لأنهم عامة، وسيبقون عامّة... وهم بالتأكيد خطر على الإسلام والمسلمين.