ممدوح إسماعيل


في مصر فتنة طائفية laquo;نعمraquo;، خصوصاً في العامين الأخيرين، وهي تتطور وتتكور ولا يعرف أحد إلى أين سوف تتدحرج كرتها الملتهبة... وأسباب اشتعالها في الفترة الأخيرة تتلخص في: ما سمي بحادثة كاميليا شحاتة واحتجازها بأحد الأماكن التابعة للكنيسة، وما أثير حول إسلامها. والثاني وهو الذي زاد من اشتعال الفتنة: تصريحات الأنبا بيشوي في الإعلام... مرة نسب للمسلمين أنهم ضيوف على مصر، ومرة طعن في القرآن في ظل مناخ محتقن، فازداد الأمر اشتعالاً، ما دعا مجمع البحوث الإسلامية أن يجتمع برئاسة شيخ الأزهر ويعلن رفضه وانتقاده لتصريحات بيشوي، وخرج مجمع الفقه الإسلامي بجدة ينتقد ذلك الطعن الواضح في القرآن، ثم حاول البابا شنودة ترضية المسلمين فظهر على التليفزيون المصري لتهدئة غضب المسلمين، ثم عاد ونفى أنه اعتذر للمسلمين عما قاله بيشوي، فعادت الأمور إلى المربع الأول صفر ليظل المناخ محتقنا والعقلاء يبحثون عن حل، لذلك لم يكن قراراً موفقاً أبداً خروج الأنبا شنودة على الرأي العام بأحاديث للتليفزيون المصري.
خصوصاً أنه أصر في حديثه الثاني على أن يبعث برسائل خطيرة عدة زادت الطين بلة، كما يقال في المثل المصري فقد ألقى بتهمة الإثارة على المسلمين فقط وأن المسيحيين يدعون للمحبة وغيرهم، أي المسلمين، يدعون إلى عدم المحبة أي الكراهية.
وقد ظهرت قلة تحاول أن تلقي بتبعية بعض أسباب الفتنة على الدكتور سليم العوا عندما رد على الأنبا بيشوي في برنامج laquo;بلا حدودraquo; على قناة laquo;الجزيرةraquo; كأن ليس له حق الرد.
لكن تسلسل الأحداث أمام كل ذي عينين يوضح الآتي: أن أول مظاهرة خرجت من أجل كاميليا كانت من الكنيسة. ونطور الأمر إلى تهديد بإحضار كاميليا وإلا اشتعلت المظاهرات، فتم خطف امرأة ضعيفة وإهدار حقها في حرية فكرها وحقها العام في الحرية وقاموا بإيداعها الحجز بأحد الأماكن التابعة للكنيسة ثم قال أحد القساوسة laquo;إننا نجري لها غسيل مخ من غسيل المخraquo;.
ومع تزايد الحديث عن كاميليا وخروج مظاهرات ظهر الأنبا شنودة وقال للرأي العام laquo;لا حديث في شأن كاميليا، ولن يعرف أحد مكانهاraquo;، وفي ظل ذلك الاحتقان وخروج مظاهرات تطالب بحرية كاميليا ظهر الأنبا بيشوي بحديثين للرأي العام الأول فيه ازدراء للأغلبية المسلمة وتهديد بالاستشهاد إذا فرضت الدولة سلطانها على الكنيسة، والثاني طعن واضح في القرآن الكريم فزاد غليان الشارع المصري. وتوالى خروج مظاهرات سلمية حضارية من المسلمين تطالب بفك أسر النساء المحتجزات بالكنيسة ورفض الطعن بالقرآن.
والعقلاء يتساءلون: إنه بغض النظر عن إسلامهن فما الدافع لإخفائهن واعتقالهن بتلك الطريقة، وبأي حق في الدستور والقانون تحتجز الكنيسة نساء ضعيفات وتمنعهن من الحرية والحديث للناس بأي حق في أي عرف قانوني في العالم أو منطق للعدل في تاريخ البشرية! ثم ألم يكن واجبا على الأنبا بيشوي أن يعتذر اعتذاراً واضحاً عما قاله حتى تخمد الفتنة ويسود الوئام والسلام الاجتماعي؟
لكن البعض تعلق بشماعة حديث الدكتور العوا عن وجود أسلحة في الكنيسة، واستشهاده بضبط سفينة في ميناء بورسعيد لابن أحد المطارنة خبأ بها أسلحة وتم اعتقاله، وقالوا إن حديثه فتنة رغم من أنه منذ عامين حدث في دير أبوفانا في محافظة المنيا أن قتل مسلم في الاشتباك بين العرب البدو المسلمين ورهبان الدير فهل قتل المسلمون أخاهم؟ طبعاً لا. والصور توضح أن فارغ الطلقات كان في الدير، أي هناك سلاح تم إطلاقه من الدير، فمن أين حصل الرهبان على السلاح؟ وقد بذلت الحكومة كل ما تستطيع لوأد تلك الفتنة في مهدها.
صحيح أن حادثة نجع حمادي كانت مؤسفة ومرفوضة وحادثاً إجرامياً، وقد دانه المسلمون جميعاً، وفي المقابل توجد حوادث قام بها بعض المسيحيين بقتل وخطف للمسلمين في أحياء الأميرية وشبرا الخيمة والطالبية وبسبب مشاكل طائفية، ولم تدن الكنيسة أياً من تلك الحوادث ولو بحرف واحد.
والعقلاء من المسلمين ومفكري المسيحيين يقولون دعونا نقول إن الاختلاف والمشاكل كلها واردة بين أبناء الوطن، لكن الحقيقة أن الكنيسة تعدت دورها الروحي تماماً وتتطلع إلى استحقاقات سياسية ودور سياسي حتى اشتهر تعبير أنها تريد أن تكون دولة داخل الدولة، وظهرت المطالبات بأنها ينبغي عليها الرجوع إلى وظيفتها الحقيقية، وأن تترك ما لقيصر لقيصر.
وأخيراً فإن ما يحدث فتنة وقى الله مصر شرها، وحتى لا ندفن رؤوسنا في الرمال أعتقد أن الحل في تطبيق العدل ما دام يوجد دستور وقانون فعلى الجميع الالتزام به والرضوخ له وإلا انفلت الأمر، وهو ما لا يحبه ولا يرتضيه أحد.