واشنطن


كان كارل روف أحد المستشارين المقرّبين من الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن. تحدّث هذا المحلل السياسي مع {شبيغل} عمَّا يواجه باراك أوباما اليوم من غضب مستشرٍ وعن فرص نجاح حركة {حفلات الشاي} في انتخابات منتصف الولاية المقبلة في الولايات المتحدة الأميركية.

في انتخابات منتصف الولاية التي ستُعقد قريباً، يُرشح الحزب الجمهوري بعض المتشددين غير الاعتياديين، حتى أن بعضهم {غير مؤهل للعمل في مطاردة الكلاب المتشردة}، على حدّ تعبير أحد الجمهوريين. ماذا حلّ بحزبكم؟

ليس هذا بالتطوّر الغريب. ففي حملات كلا الحزبين، يترشَّح عادة أشخاص غير نموذجيين، خصوصاً في أوقات التغيرات السريعة. مثلاً، رشّح الحزب الديمقراطي عام 1974، في أوج حرب فيتنام، غريبي أطوار كثراً.

مع ذلك، من المستبعد أن يقدِم حزب أوروبي بارز على ترشيح أحد مثل كريستين أودونل، المرشحة الجمهورية في ديلاوير. فقد أُرغمت على الإقرار بأنها مارست الشعوذة.

أعرف ما يكفي عن السياسة الأوروبية لأجزم بأن مجانين كثراً يترشحون لمختلف المناصب في هذه القارة.

أترفض الإقرار بأن أودونل ليست مرشحة يفخر بها الجمهوريون؟

تعتمد الولايات المتحدة وأوروبا أنظمة مختلفة لاختيار المرشحين، وما من نظام مثالي. مثلاً، تتبع ألمانيا نظاماً برلمانياً تستطيع من خلاله الأحزاب السياسية التخلّص من المرشحين غير المرغوب فيهم. لكن يُظهر واقع الحال في ألمانيا أن الفريقين، لا سيما الفريق الديمقراطي الاجتماعي، عانيا في مرحلة ما من قيادة حزبية متخاذلة أدت إلى اختراق النظام البرلماني من مرشحين لا يستوفون الشروط الكافية.

ماذا تقصد؟

حصلتم على مرشّحين يرفضهم البلد رفضاً قاطعاً. أما نظامنا، فيحدّ من هذه الظاهرة قدر الإمكان.

لا أحد يُرغَم على التصويت للائحة الحزب.

لكن ما يميز نظامنا قدرته على التفاعل مع تبدلات الرأي العام بطريقة أفضل، مقارنة بالنظام الأوروبي. فتمثّل أحزابنا شريحة واسعة من الشعب، بخلاف ما نراه في أوروبا حيث تكثر الأحزاب التي تمثل فئات محدودة من الناخبين، ما يؤدي إلى سياسات ائتلافية.

حظي الحزب الجمهوري في الماضي بشريحة وسطية واسعة، ثم لاحظنا فجأة ظاهرة جديدة يؤدي من خلالها لاعبون خارجيون، أمثال سارة بالين، دوراً بارزاً في الحزب. تكاد بالين تسيطر على الحزب بأكمله حسبما يبدو، ما رأيك؟

ما الغريب في ذلك؟ فبالين مصلِحة نشيطة وحاكمة سابقة لولاية ألاسكا. وسبق أن شهد كلا الحزبين بروز شخصيات جديدة نسبياً مثلها.

لكنها لم تشكّل جزءاً من قيادة الحزب الجمهوري.

ينطبق الأمر عينه على رونالد ريغان وريتشارد نيكسون.

لكن لا يسعنا تجاهل خبرتها القليلة. تُعتبر هذه سابقة، أليس كذلك؟

لا، فقد كانت رئيسة ولاية لا مجرد سيناتور انتُخب حديثاً في ولاية إيلينوي ولم يحقق أي إنجازات على الساحة السياسية.

شكّلت قلة خبرة الرئيس باراك أوباما مثار جدل خلال حملته الانتخابية. كذلك، هاجمته منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون بسبب هذه المسألة. لكن يبدو اليوم أن قلة الخبرة قد تحوّلت إلى ميزة في عالم السياسة.

قد تكون محقاً في قولك إن الناس يرددون اليوم عبارات مثل: {أوباما سياسي قليل الخبرة، إلا أن خطابه بدا ممتازاً وكذلك برنامجه ومظهره. لكن تبين أن عهده هو {الكارثة} بعينها!. نريد شخصاً يملك مؤهلات كافية ويمكننا الوثوق به، شخصاً يمكنه الاضطلاع بمهامه على أتم وجه ونستطيع تصديق ما يقوله لنا}.

هل بالين برأيك الشخص المناسب ليخلف أوباما؟

لا أعلم. لكن هذا ما ستكشفه بالتأكيد الحملة الرئاسية المقبلة، والتي ستتمحور حول نقطتين أساسيتين: الأولى طريقة حكم المرشحين, والثانية المسائل التي يُعالجونها. ويمكن اختصار هاتين النقطتين بشخصهم وبرنامجهم. أما الحملة الأخيرة التي شهدتها البلاد، فارتكزت بشكل رئيس على شخص المرشحين.

يعتقد كثر بأن الحزب الجمهوري يتجه بشكل متواصل نحو اليمين. وتساهم حركة {حفلات الشاي} في دفعه نحو هذا الاتجاه. متى يتخطى هذا الحزب حدوده؟

أخالفك الرأي في هذه المسألة. ينحو الحزب الجمهوري نحو اليمين بسبب اتجاه الديمقراطيين يساراً. أعطني مثالاً واحداً عمدت خلاله الحكومة الفدرالية إلى زيادة الإنفاق المحلي الاجتهادي بنسبة 25% خلال أقل من سنة. كذلك، أجمع الحزبان منذ الحرب العالمية الثانية على أن حجم الحكومة يجب أن يتراوح بين 18% و21% من الناتج المحلي الإجمالي، مستقراً غالباً على 20% تقريباً. ويُعتبر أوباما أول رئيس يتخطى هذا الحد بأشواط.

يعتقد الأوروبيون بأن أوباما ديمقراطي وسطي، إلا أنهم يعجزون عن فهم سبب انتقاده المتواصل.

قد يكون ديمقراطياً اشتراكياً وسطياً، بيد أن تاريخ الحركة الديمقراطية الاشتراكية في الولايات المتحدة قصير. لكن ما يميز هذا البلد أن ديمقراطييه يُعتبرون يساريين وسطيين في أوروبا. ولا شك في أن هذه إحدى نقاط قوتنا.

يصف كثر أوباما بالاشتراكي، لكني أخالفهم الرأي. فهو ديمقراطي اشتراكي. يقول أوباما: {ستنظم الدولة هذا وتفرض ذاك. سنخصص حصة أكبر من الناتج المحلي الإجمالي للحكومة. وسنملي على القطاع الخاص واجباته، مع بقاء الملكيات خاصةً وإخضاعها لتنظيمات الدولة}.

أليس أوباما مختلفاً عن الرؤساء الديمقراطيين السابقين، مثل ليندون جونسون الذي أسس برنامج الرعاية الصحية؟

لكن جونسون أصرّ في برنامجه على منح القطاع الخاص دوراً كبيراً. لذلك، يُصنَّف أوباما إلى يسار جونسون من الناحيتين الثقافية والفلسفية.

هل أنت مقتنع إذاً بأن الحزب الجمهوري قادر على ضمّ حركة {حفلات الشاي} من دون الانجراف كثيراً نحو اليمين؟

نعم، شهدنا سابقاً حركات مماثلة، من بينها حركة حقوق الإنسان والحركة المناهضة للحرب والحركة المدافعة عن الحياة وحركة حقوق التعديل الثاني. ظهرت هذه الحركات فجأة، وكانت بسيطة إلى حد ما. راحت تنادي بقضاياها بإلحاح وبصوت مرتفع. أرادت تحقيق مطالبها في الحال وأن يدعمها السياسيون دوماً. لكن بعد دورة انتخابية أو اثنتين، أدرك الناس أن نظامنا يحقق تقدماً ملموساً أكبر ولا يتسرع ويقبل بالتسويات. وهذا ما سيحدث أيضاً مع حركة {حفلات الشاي}. ألتقي بكثير من أعضاء هذه الحركة خلال تنقّلي في مختلف أرجاء البلد، وهم في رأيي أشخاص مذهلون. لم يسبق لعدد كبير منهم أن تعاطى السياسة. لذلك، تُعتبر هذه تجربتهم الأولى في عالم السياسة، ما يشعل حماستهم.

هل تشكّل حركة {حفلات الشاي} تكراراً لثورة ريغان؟

حركة {حفلات الشاي} مختلفة بعض الشيء لأن ثورة ريغان ارتكزت إلى حد كبير على شخص رونالد ريغان، الذي طرح أفكاراً متفائلة جداً عما قد تتحول إليه الأمة. فضلاً عن ذلك، كانت هذه الثورة منظمة، متناسقة، ومحافظة، وقد حركها حافز عقائدي. أما إذا غصت في أعماق حركة {حفلات الشاي}، فستكتشف أنها بسيطة. إذ لم يقرأ أعضاؤها أعمال عالم الاقتصاد فريدريخ أوغوست فون هايك. ما هؤلاء إلا أناس أقلقتهم التطورات التي يشهدها بلدهم، خصوصاً المسألة المرتبطة بالإنفاق والعجز والدين والرعاية الصحية.

لكن نستصعب فهم حملات تشويه صورة أوباما، التي تدّعي أنه زوّر شهادة ميلاده وأنه رئيس غير شرعي.

دعنا لا ننسى أن هذا ما عاناه الرئيس جورج بوش الإبن أيضاً طوال ثماني سنوات. فقبل أن يدلي هذا الأخير بيمين القسم، سألت تيم روسرت في برنامج Meet the Press ديك غيفارت مرتين عما إذا كان يعتقد أن جورج بوش الإبن رئيس منتخب شرعي للولايات المتحدة. فرفض زعيم الديمقراطيين الإجابة عن هذا السؤال. صدمني تصرفه، إلا أن هذا مجرد عينة مما اضطررنا إلى تحمّله طوال ثماني سنوات.

لكن الجمهوريين يبالغون في إلقاء اللوم على أوباما، فيما أن إدارة بوش انتُقدت هي أيضاً بسبب الإنفاق الحكومي الضخم. حتى أن جون ماكين وصف الغضب الحالي بأنه من مخلّفات بوش.

يعود جزء من هذا الغضب إلى عملية إنقاذ المصارف. لكن أوباما محقّ في خطوته هذه. ولا شك في أن بوش يدافع عنها.

لا أحد ينتقد خطوة أوباما هذه.
ربما ينتقده بعض أعضاء حركة {حفلات الشاي}، لكن ليس كلّهم. ما أثار حنقهم حقاً إنقاذ أوباما الرهون العقارية. لم تبدأ هذه الحركة في شهر سبتمبر (أيلول) عام 2008، حين مرر أوباما عملية إنقاذ المصارف، بل في فبراير (شباط) من العام نفسه، حين سأل معلّق تلفزيوني يُدعى ريك سانتلي: لمَ تُستعمل أموال أناس حرصين مثلي لإنقاذ أناس لا يستطيعون سداد رهونهم العقارية؟