قاسم حسين

قبل شهرٍ واحدٍ، وفي الثامن والعشرين من مايو/ أيار الماضي تحديداً، نشر البيت الأبيض ما أسماه laquo;استراتيجية الأمن القوميraquo;، وهي وثيقة عكفت الإدارة الأميركية الجديدة على وضعها خلال 16 شهراً من تولي أوباما الحكم.

في اليوم التالي، نشرت وكالات الأنباء ملخص الوثيقة، وكان لافتاً تخلّي أوباما عن عبارة laquo;الحرب على الإرهابraquo;، فنجاحه في الوصول للبيت الأبيض بناه على عاملين: بعث الأمل لدى الناخب الأميركي بإمكانية التغيير، ووصول الحرب على الإرهاب إلى طريق مسدود. وقد وعد بإنهاء المشكلة العراقية والتفرّغ التام لأفغانستان، وزيادة عدد القوات الأميركية لتحقيق laquo;النصرraquo;!

بوش كان يسوّق سياسته في الحرب على الإرهاب اعتماداً على واقعة تاريخية سقط فيها آلاف الأميركيين (هجمات سبتمبر/ أيلول)، بينما اعتمد أوباما على laquo;أوهامraquo;، بتشديده على خطر العناصر التي لا تحمل laquo;السمات التقليدية للإرهابيينraquo;، كالشاب النيجيري الذي اتهم بمحاولة تفجير طائرة ركاب فوق الأراضي الأميركية عشية رأس السنة؛ والأميركي الباكستاني الأصل الذي اشتُبه بأنه كان يريد تفجير سيارة مفخخة في نيويورك! فأنت أمام استراتيجيةٍ تقوم على تسويق المخاوف الافتراضية والاتهامات.

قضى بوش سبع سنوات من سنوات ولايته الثماني في ممارسة التهديد والضغط المستمر على المنطقة، ولم تسلم منه حتى دول الاعتدال، إلى درجة أن رئيس أكبر دولة عربية حليفة للولايات المتحدة، امتنع عن زيارته منذ العام 2005. وكان يبشّر بمشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي يعني فرض هيمنة شاملة على المنطقة تمتد خمسين عاماً، بإنهاء أي بؤرة للمقاومة، وفي هذا السياق تُفهم laquo;حرب تموزraquo; و laquo;حرب غزةraquo;.

أوباما دعا لإجراء تقييم دقيق للمصالح الأميركية في الخارج ومدى الحاجة لاستخدام القوة، فالعضلات المفتولة لا تحقّق النصر دائماً. تقول الوثيقة: laquo;لكي ننتصر يجب أن ننظر إلى العالم كما هوraquo;. ولتحقيق ذلك laquo;النصر الموعودraquo;، تقترح الإستراتيجية الجديدة خلط القوة العسكرية، مع الدبلوماسية والحوافز الاقتصادية ومساعدات التنمية... فـ laquo;أمننا على الأمد البعيد لن يتحقق من خلال إثارة خوف الشعوب الأخرى بل من قدرتنا على تحقيق تطلعاتهاraquo; كما يقول أوباما.

بوش وضع ثلاث دول في محور الشر، فاحتل إحداها (العراق)، واستمر يضغط على الضلعين الآخرين، بينما دعا أوباما في وثيقته الجديدة إلى laquo;نهجٍ حازمٍ وخالٍ من التوهماتraquo; في العلاقات مع أعداء الولايات المتحدة، وتحديداً إيران وكوريا الشمالية (ضلعي مثلث الشر السابق)! فهو يدعوهما للقبول بالعروض الأميركية للتعاون أو مواجهة العزلة، وعلى كوريا الشمالية أن تتخلص من أسلحتها النووية، وعلى طهران الوفاء بالتزاماتها الدولية التي تحددها واشنطن بشأن برنامجها النووي... و laquo;في حال تجاهلتا واجباتهما الدولية (أوامرنا)، سنلجأ إلى زيادة عزلتهما وحملهما على الامتثالraquo;!

من سوء حظ أوباما أنه استهل ولايته بأزمةٍ ماليةٍ عالميةٍ مركزها بلاده. وكان عليه تصفية آثار حربين ورثهما من سلفه بوش، ولكنه تورط بفتح جبهة أخرى في دولة ثالثة (باكستان)، ليصطدم بأجهزتها العسكرية ونخبتها الحاكمة والرأي العام المعادي أصلاً للسياسة الأميركية المتغطرسة. وفي لحظةٍٍ تدل على الكثير من التخبّط والانفعال، هدّد جارتها (إيران) باستخدام السلاح النووي، وهو ما لم يفعله غير رونالد ريغان في بداية ولايته مطلع الثمانينيات.

ليس لدى أوباما بدائل أخرى للحسم. ولا يملك الشعب الأميركي والعالم بديلاً أفضل لأوباما، لأنه جرّب بدائله سبع سنوات عجاف. ولا يملك الشعب الأفغاني بديلاً أصلاً، بعدما جرّب فوضى الاحتلال وحكم الطالبان.