حسن مدن
كتب أبو العلاء المعري ldquo;رسالة الغفرانrdquo; في غمرة عزلته عن العالم، لذا لا يمكن دراستها بمعزل عن تجربته الذاتية، هو الذي كان يعاني من فقدان البصر ومن دمامة في الوجه خلفت لديه ما يشبه الجرح العميق في نفسه، فانصرف عن ذلك كله بالإبداع والكتابة التي خلفت لنا ولمن قبلنا ولمن بعدنا أروع الآثار .
ما دعا أبا العلاء المعري إلى كتابة رسالة الغفران هو ldquo;رسالة ابن القارحrdquo; التي كتبها علي بن منصور الحلبي إلى المعري، كان ابن القارح أديباً وشاعراً عباسياً عاصر أبا العلاء، وقيل: إنه كان مؤدباً لأبي القاسم المغربي الذي أصبح وزيراً بعد ذلك في بغداد .
ولأن ابن القارح أديب، أحب أن يرى، يسمع رأي مشاهير الأدب في أدبه، فكتب رسالة إلى أبي العلاء، الذي رد عليه برسالة الغفران، وجاءت في قسمين . القسم الأول نسجه خياله الواسع حيث تصور صاحبه ابن القارح في الجنان قد غفر الله له، وراح يسأل كلاً من الناجين من الأدباء والشعراء: بمَ غفر الله لك، وبعدها ينتقل إلى الجحيم حيث يسأل كل من صادفه من الهالكين: لِمَ لَمْ يغفر الله لك .
ويقال إن ldquo;الكوميديا الإلهيةrdquo; للإيطالي دانتي إنما استوحيت من ldquo;رسالة الغفرانrdquo; للمعري، وبالذات من قسمها الأول . أما القسم الثاني فقد جاء رداً على رسالة ابن القارح حيث أخذ بالتحليل والتفنيد البديع الذي كان أبناء ذلك الزمن يأخذون به، وكان تارة يوافق ابن القارح في آرائه وتارة يعارضه بشيء من الغموض والمداورة، حتى لا يثير الحفيظة عليه عند أولي الأمر، كما في أعماله الأخرى .
كان عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين مأخوذاً بسيرة أبي العلاء وبأدبه، وثمة ما يجمع بين الرجلين: فقدان البصر، والروح المتمردة الداعية الى التغيير ونبذ الجمود، وقد عدّ طه حسين ldquo;رسالة الغفرانrdquo; آية الأدب العربي المنثور، لا يستثني منه شعراً ولا نثراً، ولا قديماً ولا حديثاً، ولا يستثني منه شيئاً ما .
يقول طه حسين عن الرسالة: ldquo;هي آية الأدب العربي، كما أن صاحبها آية الكتّاب العرب، هي آية التفكير العربي، هي آية الخيال العربي، هي آية السخرية العربية، هي آية الحرية العربية، هي آية العرب في هذا كله، لا أغلو في ذلك ولا أسرف، بل أعترف بأني دون ما أريدrdquo; .
التعليقات