محمد بن سعود البشر

laquo;انتهت الحرب العسكرية وبدأت حرب الأفكارraquo;.. نتذكر هذه العبارة جيداً، قائلها هو وزير الدفاع الأمريكي الأسبق رونالد رامسفيلد في إدارة جورج بوش الابن عقب سقوط نظام الحكم في بغداد. لم تكن حرب أفكار فقط، بل كانت حرباً دينية بغطاء عسكري.

عندما شن بوش حرباً على ما أسماه بالإرهاب، كان - ضمن منظومة المصالح الأمريكية المتعددة في المنطقة - يحاول تجفيف كل منابع المقاومة للتنصير الذي جاء به جنرالات الحرب الأمريكيين في العراق. والهجمة السياسية والإعلامية الأمريكية على المؤسسات الدينية والتعليمية والإغاثية في العالم الإسلامي، وبخاصة منطقة العراق والخليج، كانت تهدف إلى القضاء على كل سبل مقاومة التنصير الجديد، وفي الوقت نفسه تفتح الأبواب للقساوسة والمبشرين الأمريكان لينفذوا مهمتهم مسنودين بدعم مالي ولوجستي من جحافل العسكر، الذين كانوا - زيفاً ومكراً وخداعاً - يرفعون لواء تحرير شعوب المنطقة من الظلم والرجعية والتخلف الذي ران على مجتمعاتهم حيناً من الدهر قبل أن ترفع لهم أمريكا أشرعة الحرية والديمقراطية. الوجود الأمريكي في العراق، حتى وإن أدعى سحب قواته أو جزء منها، نجح في إرساء مشروع للتنصير لن ينتهي برحيل هذه القوات. يؤكد ذلك ما كشفه تقرير تلفزيوني بثته إحدى قنوات التلفزة الألمانية مؤخرا عن الجهود التي يقوم بها المنصرون الأمريكيون في المنطقة، باختيارهم العراق نقطة للانطلاق نحو بقية مجتمعات الشرق الأوسط.

معلومات خطيرة تضمنها تقرير القناة التلفزيونية الألمانية تركز على المتطرفين النصارى الذين أوصلوا جورج بوش الابن إلى كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة لينفذوا من خلال سلطته إلى مناطق عربية لم يكونوا يحلمون بالوصول إليها من قبل. هؤلاء المنصرون يعملون - كما يقول التقرير - سراً، وبموافقة الحكومة الأمريكية، لأن هذه الحكومة تنظر إلى ما كان يجري في العراق على أنه حرب مقدسة، ولذا سمحت لهؤلاء المنصرين بتنفيذ مخططاتهم الدينية، ومنها توزيع عشرات الآلاف من كتب التنصير والأناجيل المطبوعة طباعة فاخرة، ويسمون من يموت أو يقتل في العراق (شهداء الحرب المقدسة)، الذين يموتون فداءً للرسالة، والحرب المقدسة عندهم تعني حربهم للإسلام وأهله.

لا تزال هذه الطائفة المتعصبة تعمل في العراق، وتنفذ مشروعها التنصيري تحت سمع الولايات المتحدة وبصرها، وتصل إلى العامة والصفوة من خلال المساعدات الإغاثية التي تقدمها للمحتاجين، كما هي طريقتهم في كل أنحاء العالم، وأبصارهم ترنو إلى منطقة الشرق الأوسط، والخليج العربي على وجه الخصوص.

نحن اليوم بحاجة إلى كشف هذا المشروع التنصيري الذي جاءت به الدبابة الأمريكية إلى العراق، ونشط تحت راية تحرير المجتمع ورفع الظلم عنه، كما يعلن ذلك أنصاره، وهذا هو ديدنهم في كل بلاد الدنيا وعلى مر التاريخ. وما نشاهده اليوم أو نسمع به من تنصّر بعض أبناء العراق أو الخليج إنما هو شاهد على خطورة ما يجري الآن ونحن عنه غافلون.

ينبغي أن يلتفت إعلام المنطقة لكشف ملامح هذا المشروع الذي يهدد هوية المجتمعات العربية والخليجية، وأن يتحدث عنه العلماء والدعاة والمفكرون والمربون وأهل الرأي وغيرهم، فهو هم مشترك لا أخال أحداً يقلل من شأنه أو يُهوَّن من خطره.