محمد عبدالله محمد
كان الرئيس العراقي جلال طالباني يقول إن ما يجمع واشنطن وطهران في العراق هو laquo;تحالف موضوعيraquo; وليس استراتيجي. وحسب التعبير الطالباني (الذي أعتبره دقيقاً) فإن تفسير ذلك التحالف هو أنه laquo;اتفاق بين الجانبين كيما اتفقraquo;. بمعنى أن الظروف المُعقّدة وتناقضات المصالح ثم اتفاقها في نقاط مُحددة واختلافها في أخرى وظهور تطورات طارئة وغير محسوبة نتيجة التدافع السياسي قادت لأن يتفق الجانبان دون أن يكون بينهما تنسيق مُسبَق.
هذه مقدمة ضرورية للحديث. في مَتْن المشهد السياسي (كما في غيره أيضاً) فإن معرفة التفاصيل وتصوّرها عادة ما تأتي من الجزئيات والتصريحات laquo;المُختَنِقَةraquo; بالإسهاب والهوامش. فهي عادة ما تُعطي تفسيرات هي أقرب إلى اليقين منها إلى الشّك واللَّبْس. ورغم أن نَيْلَ ذلك يتطلّب بحثاً ومتابعة بالضبط كالبحث عن حبّات نادرة وصغيرة من الماس في المياه الجارية، إلاّ أن نتائجها تُصبح مضمونة بنتيجة أكبر من غيرها عادة. وهو ما ينطبق على حديث طالباني.
في الموضوع العراقي، فإن تجاذب النفوذ السياسي والاقتصادي بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة هو أمر بالغ الصعوبة. ورغم القول بأن ما يجري بين البلدين هو laquo;تحالف موضوعيraquo; إلاّ أن تلك الوصفة هي laquo;مُختَصَرَةraquo; و laquo;عنوانيّةraquo; وتحتاج إلى فك وتقطيع. فما بين طهران وواشنطن من صراع آيدلوجي وسياسي قديم laquo;خارج العراقraquo; ومنذ ثلاثين عاماً لا يُمكنه أن يُفصَل عن ملف حسّاس كالملف العراقي الذي قَلَبَ معادلات الصراع في المنطقة.
باختصار، فإن أوجه قِيَم ذلك التحالف الموضوعي بين واشنطن وطهران هو أن حلفاء الأولَى هم ذاتهم حلفاء الثانية باستثناء بعض الهوامش التي بعضها موجود في جيش المهدي وعصائب الحق وبعض البدريين. وقد بدا أن ذلك التحالف بات موضوعياً أكثر بمشاورات تشكيل الحكومة العراقية التي جرت وتجري بين الكتل الأربع الفائزة في الانتخابات الأخيرة.
نأتي إلى الموقف الإيراني. طهران تُريد حكومة عراقية يرأسها المالكي وتتألف من laquo;دولة القانون (89 مقعداً) والتيار الصّدري (40 مقعداً) ومنظمة بدر (11 مقعداً) وائتلاف القوى الكردستانية (57 مقعداً) مع ضمّ تحالف الوسط الذي يشمل جبهة التوافق السُّنية (6 مقاعد) وائتلاف وحدة العراق بزعامة وزير الداخلية جواد البولاني (4 مقاعد) ومحاولة استقطاب الكتلة الرجراجة من العرب السُّنَّة في القائمة العراقية والتي بدت أنها قابلة للانشقاق.
طهران اليوم نجحت في ضم ائتلاف المالكي مع الصدريين بشكل أكيد، مع قدرتها على إحالة البدريين إلى ذلك التحالف متى ما شاءت بانتظار اكتمال دائرة التحالفات ومجيء ساعة الحسم التي بشّر بها المالكي من القاهرة خلال زيارته الأخيرة لها. أما تحالف الوسط فقد يكون أقرب إلى التحالف الذي تريده طهران من مدخل البولاني والذي انضم للمالكي سابقاً ليُصبح اليوم كتلة وازِنة بتحالفه مع التوافق. وربما بَقِيَ شتات هنا وهناك لكي تكتمل الحلقة.
الغاية الإيرانية في حكومة عراقية من هذا التشكيل هو ضمانتها للمصالح الإيرانية، من بُعدَيْن: الأول: أنها ستكون مُمَثّلة لأحزاب هي أكثر حيوية، ولديها من التمنّع ما يكفي لخصوم إيران وخصوصاً داخل التيار الصدري ومنظمة بدر والتي تملك طهران نفوذاً واسعاً على أعضائها. والثاني: أنها تُوصِل الإيرانيين إلى أهم المُكوّنات السياسية والإثنية العراقية الرئيسية: شيعة، سُنَّة، أكراد، تركمان... إلخ.
بالنسبة إلى الموقف الأميركي، فهو يريد للمالكي أن يكون رئيساً للوزراء في حكومة تتألف من laquo;دولة القانون (89 مقعداً)، المجلس الأعلى (9 مقاعد)، القائمة العراقية (91 مقعداً) والأكراد (51 مقعداً مع حذف الاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية اللذين يملكان ستة مقاعد)، وتحالف الوسط (عشرة مقاعد). وهنا يبدو التحفظ الأميركي واضحاً على التيار الصّدري ومنظمة بدر التي تعتبرها واشنطن أحد أهم الأذرع الإيرانية في العراق. ضمن هذا المفصل يكمن الخلاف الإيراني الأميركي بشأن الداخل العراقي، وبالتحديد في موضوع الحكومة.
والغاية الأميركية من ذلك التشكيل هو أنها ترى أن نوري المالكي لديه كتلة متماسكة، وأنه كان المضطلع على عملية الانسحاب الأميركي من العراق، وخصوصاً أن خطة الانسحاب ستنتهي بنهاية العام 2011, أما وجود المجلس الأعلى فلأنه يملك نفوذاً سياسياً واسعاً في أقبية الدولة العراقية، ولديه علاقات متينة بطهران قد تساعد واشنطن وقت الحاجة، إلى جانب أنه حليف أصيل لهم.
أما وجود القائمة العراقية، فهو لإصابة هدفَيْن معاً: الأول: طمأنة الجانب العربي (الرسمي) في المنطقة والذي كان يعتب على واشنطن لاصطفافها إلى جانب الأحزاب الشيعية والكردية دون السُّنّية، والثاني: الإمساك بالمُكوّن السُّنّي الذي يتمثّل بقوة داخل القائمة لكي لا تخترقه القاعدة أو تستقطب أحداً منه كما جرى في العام 2006 عندما اندلع الصراع الطائفي، اضطر خلاله الأميركيون إلى تشكيل قوات الصحوات في بغداد وجوارها للحد منه.
ضمن هذا الخلاف ومساحته، يكمن أحد عوائق تشكيل الحكومة. وإذا ما نجحت طهران أو واشنطن في فرض رؤيتها فإن ذلك مَلمَحٌ آخر من ملامح ذلك الصراع وتثبيت النفوذ ضمن التحالف الموضوعي بين الطرفين.
التعليقات