يوسف الكويليت

الوثيقة سلاح خطير، وقد استعملت في الإدانات للأشخاص والدول والمؤسسات وغيرها، وكانت سلاحاً في العمليات التجسسية وحروب الأمن، وعندما بدأت laquo;ويكيليكسlaquo; نشر وثائق عن أفغانستان ثم العراق، فإن الوجه الآخر للسياسة والحرب كشف عن حقائق مذهلة وخطيرة تدين مراكز صنع القرار والجيش، وكل مخططي الحرب على البلدين، ومن خلال هذه الوثائق يمكن ملاحقة من تعمدوا حروب الإبادة أسوة بكل من اتخذ هذا الأسلوب، ثم إن مسائل التعويضات والحقوق الأخرى التي يكفلها النظام الدولي لا تغير من طبيعة الأسباب المقرونة بالنتائج..

فضيحة الوثائق لم تقصر نشر معلوماتها على المحتل الأمريكي وجيشه، وبقية من ساهموا في الحرب والاحتلال، وممارسة أسوأ الأساليب في قتل المدنيين الذين وصلت نسبتهم إلى ٨٠٪ من عدد القتلى فحسب، بل إن المأساة الكبرى أن هناك الكثير من الضالعين من العراقيين ومن هم في أعلى مراكز السلطة ممن تعمدوا الإبادة، أو إصدار القرارات بتنفيذ العمليات غير الإنسانية، وتنظيم المليشيات، وتسليحها من قبل إيران، وفق ما نطقت به الوثائق، وهو ما يؤكد أن الشراكة بين المحتل والقيادات العراقية بتصفية عناصر قيادية سابقة، أو طوائف وتهجير الملايين إلى مدن العالم، تعتبر عمليات خُطط لها مسبقاً، وأنه إذا كان صدام حسين وأعوانه حوكموا بسبب جرائمهم، فإن ما كشف عنه في الوثائق، يبرر تقديم كل متسبب بالقتل العمد لنفس الإجراءات..

لقد كان منظراً مرعباً تلك الصور المنشورة مع الوثائق، وكيف أصبح دم العراقي لا يساوي أي قيمة أو اعتبار إنساني، وإذا قلنا إن المحتل يمثل أدوار القاتل والمنتهك والمخرب فإن المتعاون معه بنفس الأساليب والتجاوزات يجب أن يكون الحكم عليه مضاعَفاً ليس فقط لأسباب إنسانية، وإنما للخيانة الوطنية، وتعمُّد القتل على الهوية الذي دخل القاموس العراقي من خلال كوامن الحقد بين الطوائف..

وإذا كانت الجرائم تلاحَق باسم القانون وأُخضع العديد من الزعامات للمساءلة وإصدار الأحكام، فإن ما جرى في العراق لا يقل بشاعة عما جرى في البوسنة والهرسك، أو ما قيل عن إبادة اليهود والأرمن، ودارفور وغيرها، لكن المشكل أن هذه الحالة، تشبه إلى حد بعيد جرائم إسرائيل في فلسطين عندما تكون مستثناة من تقديم زعاماتها للمحاكم، وهو ما يصدق على أمريكا التي تجنبت باسم قوتها وهيمنتها على العالم من تقديم ساستها للتحقيق في جرائم هيروشيما ونجازاكي، وقرية ماي لاي بفيتنام، ثم أخيراً ما فضحته سلسلة الوثائق بما حدث في أفغانستان والعراق..

لم يكن الهمّ الأمريكي كيف تم نشر المعلومات السرية، والتي تخطت قانونها، كما تقول، وإنما تأثيرها على سلامة الجنود الأمريكان، وكأن ما حدث يجب أن يوضع كحق قانوني في تلك الممارسات دفاعاً عن النفس، وكأن العراقي والأفغاني، هما من ذهب لأمريكا وعملا على احتلال أجزاء منها، واستعمال نفس الأساليب، وهنا يكمن العار عندما يكون قانون الغاب هو السائد والمعتمد..