محمد الصياد

تعالوا نتصارح ونتكاشف بصدق وموضوعية، بعيداً عن مكونات موروثنا من ثقافة الفزعة .

هل ما حدث من تمزيق وتخريب للصور واللوحات الإعلانية لعدد ليس بقليل من المترشحين للانتخابات البرلمانية والبلدية البحرينية التي أجريت يوم السبت الماضي 23 اكتوبر/ تشرين الأول ،2010 يندرج ضمن إطار قواعد اللعبة البرلمانية وأصول منافساتها حتى في ذروة سخونة الصراع للفوز في معركتها؟

وهل إطلاق وتسريب ونشر الشائعات والأضاليل عن المرشحين المنافسين بقصد تسقيطهم وتشويه سمعتهم والإساءة إليهم وإلى ذويهم وأقاربهم يندرج في إطار أساليب المنافسة السلمية وإن بدت في ذروة حمأتها وسعيرها؟

أحد المترشحين النيابيين المستقلين الذين أعرفهم عن قرب ويعرفه كل من عاشروه، خصوصاً أبناء دائرته الانتخابية الذين عمل بجد ومثابرة طوال السنوات الثماني الماضية كممثل المجلس البلدي لدائرتهم، بطيبته ودماثة خلقه وإخلاصه وتفانيه في العمل البلدي، تفاجأ في ليلة افتتاح مقره الانتخابي النيابي بترجل مجموعة من الفتية من شاحنة صغيرة وقيامهم بإتلاف وجبة العشاء (البوفيه) التي كان أعدها لضيوفه في تلكم الأمسية .

قلنا في مقال سابق حول الانتخابات البرلمانية البحرينية إن المنافسة سوف ترتفع سخونتها كلما اقترب موعد الاستحقاق الانتخابي . وهذا أمر طبيعي ومتوقع على أية حال . إنما أن يصل الإحماء إلى هذه الدرجة من التعديات الخارجة على المألوف وعلى مناقبيات وشيم مجتمعنا البحريني الطيبة والمتسامحة فذلك أمر مستهجن ومدان بشدة .

صحيح أنها ممارسات منعزلة لم تكن بالاتساع الذي يؤهلها لأن تكون ظاهرة طاغية على المشهد الانتخابي العام، ولكنها مؤشرات مقلقة يمكن أن تكون مقدمات لترسم معالم المشاهد الانتخابية المقبلة إذا لم يتم إدانتها والتصدي لها على الصعيد المجتمعي العام قبل الدولة . فهي لا تليق بالمستوى الحضاري الذي راكمه الشعب البحريني على مدى التاريخ .

ولعل سائلاً يسأل: علام كل هذا التدافع من جانب عدد غير قليل من المترشحين للوصول إلى الكرسي البرلماني بأي ثمن وبأية وسيلة من دون الاعتبار لقانونية وشرعية هذه الوسيلة وموزونها القيمي والأخلاقي؟ هل هو تنافس من أجل الفوز بحظوة وشرف تمثيل الناس ومصلحتهم؟

كلا، بدليل أن الوسيلة التي اتبعها البعض للوصول إلى المقعد النيابي، لم تكن أخلاقية بالمطلق . فلقد بات معروفاً أنه من المترشحين من رشح نفسه طلباً للوجاهة في مجتمع تمثل فيه الوجاهة إحدى أنساق ldquo;المناقبياتrdquo; المتباهاة بها . وقد عمد مثل هذا البعض للاستعانة بذخيرة نفوذه وبطاقاته المالية لشراء الأصوات برشى انتخابية متراوحة القيمة، كما أن من السهل على المراقب ملاحظة ذلكم التنافس المحموم بين مرشحي الجمعيات السياسية الإسلامية وعدد متزايد من المرشحين المستقلين الذين صار بعضهم يشكل تهديداً لمعاقل تلك الجمعيات في الدوائر الانتخابية خصوصاً في المحافظات الثلاث الكبرى الرئيسية الشمالية والعاصمة والمحرق . فهذه الجمعيات التي تمتعت طوال الدورتين الانتخابيتين السابقتين (2002 و2006) بسيطرة مريحة على أكثر من ثلثي مقاعد البرلمان، تولدت لديها قناعة بأن هذه السيطرة قد غدت بمثابة ldquo;امتيازrdquo; من نوع الامتيازات النفطية ونحوها، التي لا تريد التفريط فيها، وهي لذلك اعتبرت الدوائر التي فازت فيها سابقاً بمثابة دوائر مغلقة غير مسموح ldquo;للآخرينrdquo; الفوز فيها، ناهيك عن أن هذه الجمعيات لا تريد إراقة ماء وجهها بخسارة دائرة واحدة من دوائرها المغلقة كي لا يعد ذلك مؤشراً على بداية اضمحلال شعبيتها .

وقد ألقت العصبيات الحزبية والجهوية والقبلية والطائفية بظلالها على العملية الانتخابية برمتها وبضمنها بالضرورة الحملات الانتخابية التي لم تخل من إيماءات ثقافة الفزعة المقرونة إلى إحدى تلك العصبيات النشطة والمتسربلة في أوصال الحراك الاجتماعي الجاري . وحدها محافظة العاصمة، وبسبب تاريخها ldquo;الكوزموبوليتانيrdquo; (الحضاري المتعدد الأجناس) يمكن المراهنة عليها التي نعتقد بأنها ستشكل البداية الطبيعية لأفول نجم حركات الإسلام السياسي، في إحداث اختراق، بما في ذلك انتخابات الأسبوع الماضي لمصلحة المستقلين من شريحة ldquo;الأفنديةrdquo;، حيث كانت صور المرشحين الملتحين في العاصمة قليلة، فيما هذه بدت طاغية على المشهد الانتخابي في محافظات المحرق والشمالية والجنوبية .

ويبقى التعويل كل التعويل على مخاض التحولات الاقتصادية والاجتماعية العميقة الحادثة في المجتمع بفعل قوانين التطور الاقتصادي والاجتماعي، والتراكمات الكمية للممارسة الديمقراطية العالم ثالثية (بكل وطأة ثقل معوقاتها ومصاعبها) التي يفترض أن تفسح تراكمات المجال لحلول ldquo;الجديدrdquo; محل ldquo;القديمrdquo; .