احمد المرشد

ثمة خلافات تحت السطح بين سوريا كدولة ورئيس من جهة وبين لبنان كرئيس وزراء وقوى 14 آذار من جهة اخرى، رغم 5 زيارات قام بها الحريري لدمشق كانت كافية لإذابة الجليد بين الطرفين مهما كان حجم الخلافات، ناهيك عن زيارة تاريخية للرئيس بشار الأسد لبيروت وهو برفقة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.. وهي زيارة أيضا تحدث عنها الجميع بانها كفيلة بحل كافة المشكلات السياسية بين دمشق وبيروت.
ويبدو ان الرئيس السوري بشار الأسد قد رأى من موقعه ضرورة توضيح الصورة المشوشة في العلاقات مع الحريري قبل العلاقات مع لبنان، لانه استبعد في حوار صحفي وجود أي نوع من الجفاء. ولكنه يعتقد بأن المشكلة تتركز في أن اللبنانيين ربما توقعوا تدخل سوريا في كل مشكلة. ولكن دمشق لا تريد ذلك مطلقا وانها أبلغت اللبنانيين بذلك، خاصة وانها غير راغبة في الدخول في التفاصيل اللبنانية، وبخاصة عندما ترى أن لا رغبة لبنانية في الحل. وعلى الجانب الآخر، يعتقد الأسد ان بلاده تتدخل عندما يتفق اللبنانيون على الحل، خاصة بعد ان اتهمت سوريا كثيرا بموضوع التدخل في لبنان. وربما كل هذه التفاصيل خلقت نوعا من الجفاء وكأن سوريا ابتعدت، وهو ما ينفيه الأسد بالفعل. وانطلاقا من البرجماتية السياسية التي يتصف بها الرئيس السوري، خاصة عندما يحدد ان العلاقة بين الدول لا تبنى على الجانب الشخصي فقط، وإن كان هذا يســاعد في العلاقة بين الدول والتي تبنى على العلاقة الرســمية الســـياسية. فالعلاقة السياسية هي التي بحاجة إلى تطوير بين ســوريا ولبنان، وهذه تعتمد على العلاقة المؤسساتية، وهذه العلاقة سـقفها هو العلاقة اللبنانية - اللبنانية، وعندما تكـون هناك مشكلة في لبنان، سيكون لدى السوريين كما يؤكد الأسد سقف لا نستطيع أن نتجاوزه في هذه العلاقة.
وفي المقابل.. لم ينجح رئيس الوزراء اللبناني الشاب سعد الحريري حتى الآن في سبر أغوار دهاليز السياسة السورية رغم المجهود الضخم الذي يبذله لفك طلاسم العلاقات المتشابكة بين بلدين يفترض انهما يسيران نحو الشراكة في الفهم السياسي للتطورات الجارية بعيدا عن اي تراكمات من الماضي. وأمامنا مثالين على بعض هذه المشكلات التي تعترض تطور العلاقات السورية - اللبنانية بصورة طبيعية وكاملة.
فمثلا، عندما كشفت مصادر لبنانية قريبة من الحريري انه غير نادم على ما قام به حيال سوريا وماض في إيجابيته، فهذا يعني ان ثمة خلافات من الباطن لم يشأ الطرفان إظهارها فى العلن. فالحريري أصبح يمر بأوقات عصيبة، خاصة وان المقربين منه سبق وحذروه من الإفراط في الإيجابية حيال سوريا من دون مقابل، في وقت يتهمه فيه الخصوم بانه لم يقدم التنازلات المطلوبة لدمشق. فالوضع اذا أصبح مشوشا، فهو كان يتوقع ردودا ايجابية على مد يده وليس ان يكون المقابل ضغوطا فى شكل ملاحظات سورية مستمرة على أدائه. ومع هذه الحملة ضد الحريري، فان رئيس الوزراء اللبناني الشاب لايزال متمسكا بالعلاقة مع سوريا ومع الرئيس بشار الأسد شخصيا، على اعتبار ان العلاقة مع الرئيس الأسد تبقى فوق أي اعتبار آخر، وهي علاقة مفتوحة ولا يوجد أمامها أي عائق. وهذا نابع ايضا عن قناعة وإيمان بالعلاقة المشتركة ومن منطلق رغبة في تصحيح العلاقات بين البلدين لأنه ndash; اي الحريري - يرى فيها مصلحة لبنانية أولا وسورية ثانية.
بيد ان الحريري يحبذ التعاطي مع كل هذا الصخب الذي يصيب العلاقات بين البلدين بطريقته الخاصة، فرغم اتهامات من قبل أنصاره بأنه أفرط في الإيجابية تجاه دمشق، فهو يصر على الآثار الايجابية لمستقبل هذه العلاقة على لبنان. ويأخذ البعض على الحريري، انه تساهل في هذا الملف، وانه تنازل للسوريين سياسيا في بعض القضايا، مثل ترسيم الحدود. خاصة عندما اراد اللبنانيون ان يبدأ ترسيم الحدود من الجنوب، غير ان دمشق استجابت لرغبة دمشق في ان يبدأ الترسيم من الشمال الى الجنوب مراعاة للهواجس السورية. ومع ذلك لم يبدأ الترسيم حتى وقتنا الراهن.
ولا يرى المقربون من الحريري اي رد سوري ايجابي على قرارات الحريري الايجابية بوقف كل الحملات الإعلامية ضد سوريا، وموقف الحريري بلقاء كل حلفاء سوريا في لبنان حتى الذين لم يكن هناك من حاجة للقاء معهم، الا لفتح صفحة جديدة. ونذكر هنا جهودا استثنائية من قبل رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لإثناء عدد كبير من اللبنانيين عن إقامة دعاوى أمام القضاء اللبناني ضد مسؤولين سوريين بعد الدعوى التي أقامها اللواء جميل السيد ومذكرات التوقيف السورية بحق مسؤولين لبنانيين وقضاة وأشخاص مقربين من الحريري بينهم من كان يهندس العلاقات بين الحريري والقيادة السورية.
والاهم من كل ما سبق من تعاملات ايجابية من طرف الحريري، هو قراره الشجاع بالتبرئة السياسية لسورية بعد الاتهام السياسي بالتورط فى اغتيال والده رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. فهذه التبرئة كانت بمثابة رد الاعتبار لسوريا، في خطوة اثنت عليها دمشق قبل غيرها من حلفائها في لبنان.
في المقابل، فإن ثمة ثلاثة مطالب لبنانية استراتيجية لم تتحقق، فلا المفقودون في سوريا عرف مصيرهم، ولا السلاح الفلسطيني داخل وخارج المخيمات جرت معالجته، ناهيك عن حملة إعلامية شرسة نالت من شخص الحريري، شارك فيها سياسيون موالون لسوريا وإعلاميون مقربون منها، حتى الإعلام السوري شارك في هذه الحملة وصولا إلى قيادات سورية آخرها رئيس الوزراء ناجي العطري.لا نقول ان المشهد سوداوي، ولكن كما يقول اللبنانيون، ان الحريري التزم كاملا ببناء العلاقات اللبنانية - السورية وانه قدم ما عليه وعلى لبنان - وبزيادة - ولم يعكر العلاقات بحجة أن المطالب اللبنانية لم يتم الإيفاء بالجزء الأكبر منها، حيث اعتبر ان العلاقات مازالت على الطريق. ويتركز المأخذ اللبناني هنا على ان دمشق لا تتدخل لمنع بعض التصرفات اللبنانية رغم انها تستطيع ذلك. ويعتقد بصورة كبيرة في لبنان ان بعض سياسيها يذهبون الى دمشق ويعودون أكثر استقواء بتلك الزيارة او المقابلة مع المسؤولين هناك. فمثلا، عندما كان يذهب العماد ميشال عون للقاء الرئيس السوري بشار الأسد يعود إلى دمشق ويشن حملة على سعد الحريري، وبعدما يذهب اللواء جميل السيد للقاء الرئيس الأسد يعود لتهديد الرئيس الحريري شخصيا بأخذ الحق باليد.
لقد أصبح الحريري في موقف لا يحسد عليه، فهو محل لوم من حلفاء سوريا في لبنان بانه لم يتنازل كفاية لدمشق، والوضع ليس مغايرا أيضا من أنصاره في قوى 14 آذار الذين ينتقدون اندفاعه نحو دمشق بقولهم: laquo;في كل مرة كان يمد يده كانت تأتيه من لبنان صفعة لقوى 14 آذار ومن خلفها للحريري نفسهraquo;.