خلف الحربي


نحن بالطبع لا نحتاج إلى نفط العراق، كما أن السياسيين السعوديين لم يسجلوا أية حالة تدخل في الشأن الداخلي العراقي منذ إسقاط النظام السابق؛ باستثناء برقيات التهنئة بنجاح الانتخابات أو الدعوات إلى وحدة الصف، لا ندعم أحزابا ولا نسلح مليشيات ولا نطلب حصصا في مشاريع الإعمار مثلما تفعل الكثير من الدول التي تتعامل مع العراق، ونحن أيضا أكثر جيران العراق تعاونا معه في مكافحة الإرهاب وضبط الحدود المشتركة بين البلدين وعدم إخضاع الأحوال في هذه الحدود للمساومات السياسية، لم نقترب أبدا من اختلافاته الطائفية أو القومية، ولم نستنزفه اقتصاديا ولم نبتزه سياسيا ولم نستغله أمنيا؛ لأننا بكل بساطة لا نحتاج الى كل ذلك!.
لذلك تأتي دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للقوى السياسية العراقية بعقد لقاء في الرياض تحت مظلة الجامعة العربية خالصة لوجه الله تعالى وانطلاقا من مسؤولياته التاريخية كزعيم عربي يدرك أن ضعف العراق هو ضعف للعرب أجمعين، بالإضافة إلى أن هذه الدعوة النبيلة تأتي لتعبر عن تطلعات كل مواطن عربي يتمنى خروج العراق من هذا المأزق المدمر الذي لا ينتهي.
وإذا كانت بعض القوى الإقليمية والدولية قد استثمرت حالة الفوضى الأمنية في العراق لتعزيز مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية، فإن السعودية ترى أن استثمارها الحقيقي يكون في تعزيز حالة السلم الأهلي في العراق وعودة هذا البلد العربي الرائد إلى حالته الطبيعية.
مصلحة العراق من مصلحتنا، فاستقراره يعني عودة التوازن المفقود في المنطقة منذ سقوط بغداد، ووجود حكومة عراقية قادرة على ضبط أوضاعه الأمنية هناك يعني زيادة قدرتنا على مكافحة الإرهاب، حيث لا يمكن تجاهل الخطر الأمني الذي يشكله اضطراب الأوضاع الأمنية في بلد مجاور لنا، وانتصاره على دعوات التقسيم والتفكيك يعني تخليص المنطقة من مشاريع وأجندات دولية لا يعلم نهايتها إلا الله، وتحرك العراق باتجاه التنمية والبناء يعني تعاونا اقتصاديا أفضل مع بلد تربطنا به العديد من الروابط الاجتماعية والتاريخية والثقافية، فالعراق منا ونحن منه.
وأملنا بالله كبير ثم بالأشقاء العراقيين لاستثمار هذه الدعوة الصادقة من قائد عرف بحرصه الشديد على جمع صفوف العرب في زمان الفرقة والتشرذم، فليس ثمة شيء يهدد مستقبل العراق والمنطقة أكثر من الترويج لشعار: (العراق حالة ميؤوس منها)، فقادة التيارات السياسية في العراق يواجهون اليوم مسؤولية تاريخية لوقف حمامات الدم وإنقاذ بلدهم من التحول إلى مسرح مفتوح لصراعات القوى الدولية، إنها دعوة صادقة تعبر عن أمنية عزيزة تثقل قلبا عربيا ينبض بحب العراق.. وليس ثمة أحد مثل عبد الله بن عبد العزيز يمكن أن يعبر بصدق عما يثقل قلوب العرب!.