حسن مدن

من وجهة نظر قومية عربية، فإن المسيحيين العرب هم مكوّن أصيل راسخ من مكونات هذه الأمة، وهم إلى ذلك كانوا وظلوا من حملة مشروع النهضة والحداثة والتنمية في مجتمعاتنا العربية التي تواجدوا فيها، في لبنان وسوريا وفلسطين والأردن والعراق ومصر وغيرها .

ولو ألقينا نظرة على تاريخنا القريب لوجدنا أن الكثير من قادة ومناضلي الحركات والأحزاب السياسية القومية والوطنية العربية التي ناضلت ضد الاستعمار والصهيونية ومن أجل الاستقلال الوطني والوحدة العربية والنهضة هم من المسيحيين، الذين تجاوزوا الانحيازات المذهبية، وناضلوا في سبيل صوغ وبلورة الهوية القومية والمجتمعية الجامعة الموحدة .

في ظروف اليوم تنطلق الغرائز المذهبية والعرقية من عقالها، وتفرض صراعات دامية شوهت بنية مجتمعاتنا، وأعملت سكاكينها في النسيج الوطني لهذه المجتمعات، لتردها إلى جاهليتها الأولى: مذاهب وقبائل وملل تتنازع في ما بينها .

ويبدو المسيحيون العرب هدفاً للقوى المتطرفة التي تسيء للإسلام، من حيث استخدامها اسمه في ما تقترفه من آثام بحق الأبرياء من أخوتنا المسيحيين، على نحو ما حدث للمصلين في كنيسة سيدة النجاة في بغداد التي أزهقت فيها أرواح العشرات، إمعاناً من الجناة في ضرب صورة العراق المتسامح الذي كان، حيث أنتج انصهار مكوناته الدينية والإثنية في نسيج واحد الديناميكية التي طبعت حياته السياسية والثقافية والإبداعية، ونمط المعيش الاجتماعي فيه .

هذه الجريمة، وما سبقها من جرائم استهدفت المسيحيين في العراق ترمي، بالإضافة إلى الاستمرار في توتير الأوضاع الأمنية، إلى تفريغ البلاد من جزء من مكوناتها، عبر حمل المسيحيين على الهجرة القسرية خوفاً على حياتهم ومستقبلهم، وهذا أمر يستدعي من قادة الرأي العام في العراق من سياسيين ورجال دين وأحزاب ومؤسسات مدنية، وقفة جادة لإنقاذ البلاد وأهلها من هذا المخطط الشرير .