هل يمكن أن يقرر الكونغرس حماية الأديان من الإساءة؟
عبدالعزيز بن عثمان التويجري
الحياة اللندنية
قرأت في laquo;الأهرامraquo;، في 26/10/2010، مقالاً رائعاً للدكتورة ليلى تكلا، إحدى الشخصيات الأكاديمية البارزة في مصر، بعنوان: laquo;التنوّع والتعايش... في الكونغرسraquo;، تضمَّن أفكاراً مهمة أشاطر الكاتبة الفاضلة في تبنيها والدعوة إليها، ومقالاتي في هذه الجريدة على مدى السنتين الماضيتين، وما أعلنه في محاضراتي وتصريحاتي الصحافية دليل على ذلك. لقد شاركت الدكتورة ليلى تكلا في مؤتمر دعا إليه أخيراً الكونغرس الأميركي حول مسألة قبول الاختلاف وتعايش الأديان، نظم بمبادرة من النواب من أصل إفريقي، ويدخل في إطار الاهتمامات المتزايدة في الولايات المتحدة الأميركية، بقضية الوحدة مع تباين الثقافات والاتجاهات السياسية والدينية، laquo;ذلك التباين والتعدد الذي يعتبرونه أحد مصادر قوتهم وتفوقهمraquo;، كما تقول الكاتبة. وذلك صحيح، تأكد لدي من التجربة التي عشتها في الولايات المتحدة الأميركية سبع سنوات طالباً في الدراسات العليا، حيث لمست هذا الشعور الذي يكاد أن يكون قاسماً مشتركاً بين الأميركيين. غير أن ما لفت نظري في مقال الدكتورة ليلى تكلا، هو ما يتصل بالحديث الذي ألقته في هذا المؤتمر، عن الإطار القانوني لتعايش الأديان والاحترام المتبادل بينها. فقد ذكرت أنها أشارت في حديثها أمام أعضاء الكونغرس، وبحضور طائفة من الشخصيات الأكاديمية والسياسية البارزة المدعوة، إلى قانون العقوبات المصري الذي يعاقب على الإساءة الى أي عقيدة دينية أو رموزها، واقترحت في حديثها في الكونغرس، الاسترشاد بذلك، laquo;أي بما جاء في قانون العقوبات المصري بهذا الخصوصraquo;، واستصدار قرار من الكونغرس يحمي جميع الأديان بدلاً من laquo;القرار الذي اتخذه الكونغرس في سنة 2004raquo; الذي ينصبّ على حماية اليهودية وإسرائيل دون غيرها. وأشارت الكاتبة المقتدرة إلى أنها عبرت عن الاستياء والرفض لما تتعرض له كل من المسيحية والإسلام من إساءة وتجريح.
وتلك قضية بالغة الحساسية وشديدة الأهمية، لأنها تتصل بأحد مكونات السياسة الأميركية الخارجية التي تكيل بمكيالين، ولا تراعي في غالبية الأحيان، قواعد الديموقراطية والعدالة الإنسانية. فقرار الكونغرس لسنة 2004، الذي يحمي اليهودية دون غيرها، ويستثني الإسلام والمسيحية، قرار معيب، لاعتبارات قانونية وسياسية وأخلاقية، بل هو قرار لا يخدم، من حيث العمق والانعكاسات والآثار المترتبة عليه، المصالح العليا للولايات المتحدة لأنه ينحاز إلى إسرائيل انحيازاً مندفعاً.
ويلفت النظر في مقال الدكتورة ليلى تكلا أيضاً، أن النائبة شيلا جاكسون من تكساس، وهي من أنشط النائبات كما قالت الكاتبة، والتي تحدثت مباشرة بعدها، أعلنت أنها توافق على الاقتراح الذي طرحته الأكاديمية المصرية اللامعة. والاقتراح الشجاع الذي طرحته الدكتورة ليلى تكلا في مؤتمر عقد في الكونغرس، يمكن أن يتبلور في فكرة جامعة ومدروسة جيداً، تحشد لها الجهود، على الصعيد الديبلوماسي، سواء في إطار جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، أو في إطار مجموعة عدم الانحياز والاتحاد الإفريقي، لتكون أحد مرتكزات الديبلوماسية العربية الإسلامية بوجه عام، حتى تصل الفكرة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتطرح في صيغة مشروع قرار بتجريم الإساءة إلى الأديان والازدراء بها وبرموزها. ويمكن البناء في هذا الخصوص، على القرار الذي أصدره مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بتاريخ 27 آذار (مارس) 2008 تحت الرقم 7/19، في شأن laquo;مناهضة تشويه صورة الأديانraquo;. أما على المستوى الأكثر تأثيراً، وأقصد هنا التحرك على مستوى الكونغرس، فإن المسألة في نظري تتطلب تكثيف الديبلوماسية الشعبية، في موازاة الديبلوماسية الحكومية، للاقتراب أكثر من أعضاء الكونغرس، وربط الصلة بهم، أو على الأقل بمن يملك منهم القابلية والاستعداد لتفهم المسألة، خصوصاً النواب من أصل أفريقي، لتوضيح الصورة أمامهم، لأن كثيراً من الحقائق عن العالم العربي الإسلامي، وعن الثقافة الإسلامية، وعن مبادئ الدين الإسلامي، تغيب عن طائفة كبيرة من المشرعين الأميركيين. ولا بد من الاعتراف هنا بأن التقصير منا، وليس منهم.
وكنت قرأت خلال الفترة الأخيرة، مقالاً للصديق الأستاذ محمد بن عيسى، وزير الخارجية المغربي السابق، نشرته laquo;الشرق الأوسطraquo;، حول تأبين أحمد ماهر، وزير الخارجية المصري السابق، تناول فيه علاقته به، خلال الفترة التي كانا فيها، هما الإثنان، سفيرين لبلديهما في واشنطن، وحكى فيه كيف أنهما كانا يحرصان على حضور جلسات الكونغرس في غالب الأحيان، ويربطان علاقات إنسانية حميمة مع النواب الأميركيين.
وهذا النوع من الممارسة الديبلوماسية العربية الإسلامية داخل الكونغرس، سلوك ديبلوماسي حضاري راق، منه يمكن التحرك لكسب الأصوات المؤيدة للحقوق العربية، والمنصفة للقضايا الإنسانية العادلة، وفي المقدمة منها العمل على حماية الأديان من الإساءة إليها والازدراء بها، لما في ذلك من تأجيج لنيران الكراهية والعنصرية والعداء بين البشر.
قبل أيام استقبلت في مكتبي السيد رشاد حسين، مبعوث الرئيس الأميركي باراك أوباما لدى منظمة المؤتمر الإسلامي، الذي كان يقوم بزيارة الى المغرب. وجرى بيننا حديث مستفيض بحضور وزيرة مستشارة في السفارة الأميركية في الرباط وعدد من الديبلوماسيين الأميركيين، تناول علاقات الولايات المتحدة الأميركية بدول العالم الإسلامي. وأعرب لي المسؤول الأميركي عن الرغبة التي تحدو بلاده، لتحسين هذه العلاقات، لما في ذلك من تحقيق للمصالح المشتركة، وفي إطار الاحترام المتبادل. ولا شك في أن مواصلة السعي بشتى الطرق لإقناع الكونغرس بجدوى صدور قرار عنه بحماية الدين الإسلامي ورموزه (وحماية المسيحية أيضاً)، سيكون عاملاً مساعداً في تحقيق الهدف الذي تسعى الإدارة الأميركية إلى تحقيقه، ألا وهو تحسين صورتها لدى العالم الإسلامي. وإنني أدعو، من خلال صحيفة laquo;الحياةraquo;، إلى تبني اقتراح الدكتورة ليلى تكلا، على مستوى الدول العربية الإسلامية، وعلى مستوى القيادات السياسية والقانونية والإعلامية الجادة والرصينة التي تخاطب الرأي العام العالمي باللغة التي يفهمها وبالمنطق الذي يقنعه، من أجل الوصول إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بمشروع قانون يقضي بتجريم الإساءة إلى الأديان ورموزها، ومن أجل إقناع الكونغرس الأميركي بإصدار قانون لحماية الأديان بصورة عامة، وليس اليهودية فقط. فهل يمكن أن نتوقع صدور قانون عن الكونغرس الأميركي لحماية الأديان من الإساءة إليها في هذه المرحلة، قبل أن يفاجئنا الزمن بهيمنة اليمين المتطرف عليه في وقت آت؟
أحسب أن العمل في هذا الاتجاه قد يكون ذا جدوى، إن عاجلاً أو آجلاً، والعاجل أفضل وأولى.
ضرورة حماية مسيحيي الشرق الأوسط
رندة تقي الدين
الحياة اللندنية
مريعة جريمة كنيسة سيدة النجاة في بغداد. إرهاب وحشي أسقط 52 قتيلاً من المصلين في الكنيسة وحراسها هدفه تخويف مسيحيي العراق ودفعهم الى مغادرة بلدهم. إن ظاهرة الإرهاب التي تستهدف مسيحيي الشرق بدأت منذ عقود في هذه المنطقة من العالم. ومن المهم الإشارة الى القلق الكبير الذي كان ينتاب المسؤول الفلسطيني الراحل فيصل الحسيني قبيل وفاته عندما زار فرنسا وأصرّ على لقاء أسقف فرنسا حينها لوستيجيه ليقول له إن أخطر ما يحصل في الشرق، خصوصاً في القدس، هو محاولة إسرائيل تهجير المسيحيين من القدس كي تبقى هيمنة الدولة اليهودية تحت مبرر أنها حارسة أمن الغرب ضد الإسلام المتطرف.
إن الإرهاب الذي استهدف الكنيسة في بغداد هو بعيد كل البعد عن أي ديانة وأي مبادئ أخلاقية، فهو إرهاب من نوع التطرف الذي تدفع إليه الممارسات الإسرائيلية الوحشية في المدن الفلسطينية وفي القدس.
إن مرتكب جريمة الكنيسة في بغداد الذي فجّر نفسه باسم مجموعة تدّعي الإسلام هو إنسان يائس أداة للإجرام والتطرف الأعمى. وتصريحات رجال الدين المسلمين في السعودية وفي لبنان الذين دانوا هذه الجريمة الكريهة أمر إيجابي جداً وضروري. إلا أن المطلوب سياسات واضحة وضرورية لحماية بقاء مسيحيي الشرق في كل أنحائه. فتهجير المسيحيين من الشرق الى الغرب عامل مقلق في هذه المنطقة من العالم أولاً لأنهم أبناء البلد أينما كانوا والتعايش بين الديانات حيث هم موجودون أساسي لاستقرار الدول التي ينتمون إليها. إضافة الى أن دفعهم الى المغادرة وتهجيرهم يدخل في خانة السياسة الرسمية الإسرائيلية التي تدفع الى تهجيرهم بسبب ممارساتها في القدس والأراضي الفلسطينية .
فالعراق الذي أنهكته الحروب والإرهاب ينبغي أن يبقى نموذجاً لتعايش الديانات وإلا يقع في حرب أهلية وطائفية تهدد مستقبل البلد ووحدته. والقلق نفسه على لبنان حيث الخلافات السياسية العميقة والأحداث الأمنية التي قد تقع نتيجة ذلك تمثل خطراً كبيراً على مستقبل البلد وايضاً تخيف مسيحييه الذين هم أبناؤه كما كل اللبنانيين. فلا شك في أن إزالة الطائفية من بلدان الشرق الأوسط التي لديها طوائف متعددة هي افضل وسيلة لبناء دول حقيقية وآمنة.
فإلى متى مثلاً سيبقى اللبنانيون تحت حماية طوائفهم بدلاً من حماية دولة حقيقية تأخذ على عاتقها تأمين عيش كريم لجميع الطوائف فيها؟ والى متى تبقى الطوائف في العراق عرضة لوضع سياسي منقسم وغير مستقر ووضع أمني متدهور؟ وإلى متى يبقى الاقباط في مصر مضطهدين؟ أن قضية الطائفية قاتلة لمستقبل أي بلد، فهي مخيفة ومقلقة لأمنه وأخطر من ذلك تفتح الباب لتطرف أعمى لأبنائه الذين قد يتحولون إلى قنابل بشرية بسهولة أكبر.
فعلى رجال الدين في منطقة الشرق الأوسط مسؤولية كبرى في توعية أبناء طوائفهم الى الابتعاد عن التطرف والى التعايش مع الطوائف الأخرى والابتعاد عن التعصب القاتل. فالحرص على بقاء المسيحيين في الشرق ينبغي أن يكون أولوية، من هنا أهمية مبادرة العاهل السعودي الملك عبدالله حوار الديانات التي يجب أن تتعزز وتطوّر في شرق أوسط يهدده التطرف الأعمى.