محمد م. الارناؤوط
حين تلقيت دعوة في شهر أيار الماضي من quot;كرسي اليونسكو للدراسات المقارنة للاديانquot; في تونس للمشاركة في ندوة عن quot; دور الجامعات ومؤسسات البحث العلمي في حوار الاديان والحضاراتquot; ذهبت الى السفارة التونسية لأخذ تأشيرة سفر واستقبلني السفير المشهود له بالمعرفة الواسعة بسؤال مفاجئ quot; هل يمكن للاديان أن تتحاور؟quot;.
حملت هذا السؤال معي الى الندوة التي عقدت في العاصمة التونسية بالتعاون مع مؤسسة كونراد اديناور، وحفلت بمشاركة جيدة من طرفي المتوسط، يكفي أنه كان يجمع بينها الاستاذ محمد اركون. وقد كان من الواضح في الكلمة الافتتاحية لمسؤول الكرسي محمد الحداد أن التراكم المعرفي في هذا المجال في تونس، التي كانت سباقة الى هذا النوع من الندوات منذ 1974، جعل هذا النوع من اللقاءات يتخطى الدردشة والمجاملة واثبات حسن النوايا والظهور في الصور المشتركة الخ.
فقد انطلق د. الحداد في كلمته الافتتاحية من أن هذه اللقاءات quot;لم تعد لاهوتية ولم تعد تقتصر على الممثلين الرسميين للاديان بل اتسعت لتشمل المعنيين بالتجربة الدينية ولتشمل مساءلات حول معنى الحياة والموتquot; ، وquot;لم تعد بالتالي فرصة لاستعادة الاحقاد التاريخية بل أن تعدد الاراء أصبح يغني النقاش في هذه المواضيعquot; .
ولكن الاهم في كلمته كان حول نظرة العلم واسهام العلم في اغناء أو في الغاء مثل هذه اللقاءات. فمع تسليمه بأن quot;تطور المعرفة العلمية يجعلها عاملا أساسيا في تنظيم شؤونناquot; الا انه ميّز هنا بين quot;العلمويةquot; و quot;العلميةquot; فيما يتعلق بمثل هذه اللقاءات حول حوار الاديان والحضارات. فـ quot;العلمويةquot; ترى ان كل ما هو خارج العلم لاشأن لها به ومن ذلك quot;الحوار بين الاديانquot; لانها بالاصل تخضع الاديان للمقاربة العلمية الصارمة ، بينما quot;العلميةquot; تتواضع بالقول ان العلم يمكن أن يقدم بعض المعطيات التي تفيد في مثل هذه اللقاءات ، ولكن quot;الخطرquot; كما رآه د. الحداد انما quot;يكمن في الخلط بين المستويين وفرض الرأي على الآخرquot;.
وفي الحقيقة ان سؤال السفير كان حاضرا منذ اليوم الاول في جلسات ونقاشات الندوة. فقد كان هناك من يرى ان quot;حوار الاديانquot; لايخرج عن الدردشة والمجاملة وان الامر يجب أن يترك لـ quot;تطور المعرفة العلميةquot;، بينما كان هناك من يرى فائدة من هذه اللقاءات خاصة في الانفتاح على الاخر وتقبّل عدم احتكار الحق والحقيقة.
وربما كانت هذه الندوة تتميز بعرض بعض التجارب الاوربية والعربية على الارض (تونس ومصر وألمانيا وكوسوفا الخ). ففي التنظير تبدو الامور وردية و تبشر بخير ولكن الواقع على الارض ليس دائما على هذا الشكل. وقد اتضح هذا بشكل خاص في الدول التي تشهد خصوصيات، كما هو الامر مع الاقباط في مصر والصرب في كوسوفا والمسلمين في ألمانيا الخ، حيث أن quot;حوار الاديانquot; يرتبط بسياق تاريخي وواقع مأزوم بفعل أزمات وحروب وتدخلات الخ.
ومن ناحية أخرى، ونظرا للمشاركة من ضفتي المتوسط ، فقد كانت هناك أكثر من اشارة الى ان حوض المتوسط بالذات شهد مواجهات كثيرة باسم الاديان، ولكنه الان يشهد مبادرات كثيرة لامتصاص احتقانات الماضي و التفكير بالعيش المشترك والتواصل الثقافي لاجل المستقبل الواعد للجميع.
ولكن هذا التوجه للمستقبل لا يمكن مع الصور المسبقة التي تحمل من جيل الى جيل ترسبات الماضي، ولذلك كانت هناك أكثر من اشارة للعناية بالنصوص المدرسية التي تعتبر الحاملة الرئيسة للتغيير. ومن هناك كانت الدعوة أن تتسع النصوص المدرسية لتتضمن ما ينتج عن مثل هذه اللقاءات من روح جديدة.
وبعبارة أخرى، لايمكن القول مع هذه الافكار والنقاشات في تونس ان quot;حوار الاديانquot; هو فقط للدردشة والمجاملة بل أنه يثمر بحسب من يشارك فيه و يساهم به بعد عودته الى بلاده!
التعليقات