لندن

الدور السعودي في تفكيك الإرهاب في اليمن، وفرنسا ما بعد المظاهرات والإضرابات، ثم تحديات الانتخابات النصفية الأميركية، ومعارك أوباما فيما بعد نوفمبر... قضايا نستعرضها ضمن لمحة سريعة على الصحافة البريطانية.

رأت فيكتور ريا كلاركquot; في مقالها المنشور بـquot;الأوبزيرفرquot; يوم الأحد الماضي، أن لدى الرياض مفتاح هزيمة quot;القاعدةquot; في اليمن، وتضيف أن الائتلاف الذي تم بين المتطرفين اليمنيين والسعوديين قبل عامين ليشكلا معاً ما يعرف الآن بـquot;تنظيم القاعدة في بلاد اليمنquot; قد حقق نجاحاً. ومضت قائلة إن ذلك ما تشير إليه الشحنتان المشبوهتان اللتان أرسلتا على متن طائرتي شحن من اليمن مؤخراً.. وقد وصف سير جون سوارز -رئيس المخابرات البريطانية الخارجية- هذا التنظيم بأنه يمثل مصدر خطر لا يقل عن ذلك الخطر الإرهابي الصادر من أفغانستان أو باكستان. وقالت الكاتبة إن أجهزة المخابرات السعودية، وكذلك وحدة مكافحة الإرهاب قد تمكنت من تطوير قدراتها وخبراتها في التعامل مع المتطرفين والإرهابيين، خاصةً في أعقاب محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف -رئيس وحدة المخابرات- أثناء مأدبة رمضانية أقامها العام الماضي على يد عبد الله حسان العسيري -متطرف سعودي مقيم في اليمن يبلغ من العمر 23 عاماً، زعم أنه تاب من التطرف وانسلخ من تنظيم quot;القاعدةquot; هناك- بواسطة قنبلة مدعومة بنظام الهاتف المحمول الذي كان يستخدمه، كانت مخبأة في ملابسه الداخلية فيما يبدو.

قدرة التنظيم على الاختراق تنبع أساساً من الثقافة اليمنية نفسها التي تحتضن الضيف وتحسن معاملته دون مساءلته.

وعلى عكس ما فعله الغرب في العراق وأفغانستان، فلا سبيل لتدخل عسكري مشابه بهدف تغيير النظام السياسي الحاكم في صنعاء. وفي الحقيقة فإن اليمن يستحق العون أكثر من رجمه بالقنابل والعتاد الحربي. وقد أحسنت الولايات المتحدة صنعاً برفع مساعداتها المقدمة لليمن في شكل مساعدات إنمائية وعسكرية إلى نحو 300 مليون دولار.

وربما يكون من الأفيد في الاتجاه نفسه، أن يلقى بعبء السيطرة على أنشطة المتطرفين والإرهابيين اليمنيين على المملكة العربية السعودية وبقية مجموعة دول مجلس التعاون الخليجي، المشابهة لتجربة الاتحاد الأوروبي ونفوذه في منطقة الشرق الأوسط. ففي جميع هذه الدول أعداد كبيرة من المقيمين اليمنيين، فضلاً عن أن لها معرفة أفضل بالطريقة التي تدار بها الشؤون القبلية والداخلية في اليمن. كما تتسم دول المجموعة بما لها من موارد مالية هائلة، تستطيع بها التأثير على مجرى الأحداث والسيطرة على الأوضاع الأمنية في اليمن.

المظاهرات الفرنسية

هذا ما تناوله مقال تحليلي نشر في العدد الأخير من مجلة quot;ذي إيكونومستquot;. فقد نهضت فرنسا بقدميها مجدداً، بعد عدة أسابيع من المظاهرات الشعبية، والإضرابات العمالية، وإغلاق الطرق، وشح الوقود، وانتشار أعمال العنف. ففي الأسبوع الحالي انعقد البرلمان الفرنسي بكلا مجلسيه وصوّت لصالح رفع سن التقاعد القانوني من 60 إلى 62 عاماً. ومن المتوقع أن يتحول هذا التشريع إلى قانون سارٍ في منتصف شهر نوفمبر الجاري. وبعد، فما هي أهم الدروس التي يمكن أن يتعلمها الفرنسيون من أسابيع الاحتجاجات والإضرابات النقابية هذه، فيما يتعلق بطبيعة وفعالية الإضرابات من جهة، وبالإصلاحات الماضية قدماً من الجهة الأخرى؟

لعل أهم هذه الدروس أن النقابات والاتحادات المهنية لا تزال قادرة على حشد الملايين من المتظاهرين والمحتجين في الشوارع. غير أن وسيلة الإضراب والمظاهرات نفسها، ربما لم تعد قادرة على إحداث التغيير وفرض الإرادة الشعبية على الحكومة مثلما كان حالها في الماضي. أما الدرس الثاني الذي لا يقل أهمية، فيتلخص في أن المظاهرات والإضرابات الأخيرة، أعطت انطباعاً وكأن فرنسا دولة يستحيل فيها إحداث التغيير والإصلاح السياسي الاقتصادي الدستوري. ولكن الواضح أن عزم ساركوزي على المضي في إصلاحاته التي وعد بها، يؤكد قابلية فرنسا للتغيير والإصلاح في نهاية الأمر. تصح هذه الافتراضات بالطبع إنْ كانت موجة المظاهرات الأخيرة هي آخر حلقات المواجهة بين القصر الرئاسي والشارع الفرنسي. ولكن هذا آخر الاحتمالات التي يمكن تصورها، بالنظر إلى دور النقابات هناك.

تحديات الانتخابات النصفية

كان هذا عنوان افتتاحية quot;الجارديانquot; الصادرة يوم الاثنين الماضي، بدأت الافتتاحية بالقول إن التقاليد الانتخابية الأميركية قد جعلت من الانتخابات النصفية إجراءً تصحيحياً دائماً. وعلى رغم الخطاب الذي ألقاه الرئيس أوباما في فيلادلفيا مؤخراً وقال فيه إن هذه الانتخابات ليست لها علاقة بالماضي، إنما هي معنية بالتصدي لمشاكل الحاضر، فإن تصاعد موجة الغضب في أوساط الأميركيين على الأوضاع الاقتصادية الراهنة وارتفاع معدلات البطالة، يجعلان من هذه الانتخابات محوراً سياسياً للعام ونصف العام الماضيين، وليست للسنوات العشر الأخيرة. ولا تكمن المعضلة الرئيسية التي يواجهها أوباما وحزبه quot;الديمقراطيquot; في هذه الانتخابات، في انتصار quot;الجمهوريينquot; لحججهم وانتقاداتهم للإدارة، إنما تكمن المعضلة والتحديات الرئيسية في التحالف السياسي الذي شكّله أوباما لتحقيق أهداف إدارته. فهو تحالف عريض يمتد من أقصى quot;اليسارquot; إلى quot;يمين الوسطquot; الأكثر اعتدالاً وهدوءاً. لكنه تحالف تقعده معدلات بطالة مرتفعة بلغت نسبتها 9.6 في المئة، وكذلك معدلات مرتفعة لنزع ملكيات البيوت وحجز للرهن العقاري، وهجرة مكثفة للاستثمارات الأميركية إلى خارج الحدود، إضافة إلى احتمالات استمرار موجة الركود الاقتصادي الحالية لعقد كامل من الزمان. صحيح أن أوباما يستطيع أن يحصي عدداً من الإنجازات التي حققتها إدارته خلال الـ18 شهراً الماضية، مثل شمول فوائد الرعاية الصحية لنحو 30 مليون أميركي إضافي جراء الإصلاح الذي حققته إدارته، وكذلك تجنيب الاقتصاد الأميركي كارثة الانهيار الشامل وغيرهما. بيد أنه كان يتعين عليه أن يؤدي مهامه القيادية على نحو يشعر غالبية الناخبين بالاطمئنان على حياتهم ومستقبل أبنائهم، فضلاً عن إعطائهم الشعور باستقرار إدارته وقدرتها على الوقوف في وجه العواصف العاتية، وتقديم المثال على القيادة المستقبلية. لكنه لم يفعل، ولم يبق له من الوقت لإنجاز المزيد.

معارك ما بعد نوفمبر

في مقال تحليلي نشرته quot;الجارديانquot; في عددها ليوم الثلاثاء الماضي، قال الكاتب quot;مايكل تومسكيquot; إن على أوباما أن يعيد حساباته ويكيف استراتيجيات إدارته وفقاً للهزيمة الانتخابية لحزبه عقب الإعلان عن نتائج انتخابات نوفمبر النصفية. وتشير المؤشرات الأولية إلى فوز كبير لـquot;الجمهوريينquot; وquot;المحافظينquot; يمكّنهم من استعادة سيطرتهم على مجلس النواب، إلا أنهم عجزوا رغم ذلك عن تحقيق تطلعهم إلى استعادة سيطرتهم على المجلسين معاً. وعلى أية حال، من المتوقع أن تبدأ كبرى المعارك التي يتعين على أوباما خوضها ضد خصومه quot;الجمهوريينquot; الساعين إلى نقض وإبطال جميع التشريعات التي أجازتها إدارته، إضافة إلى عرقلة أي تشريعات جديدة ينوي إجازتها. كما إن عليه أن يبدأ معركة إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية من الآن.

إعداد: عبدالجبار عبدالله