سعد محيو
الحل العسكري الأمني لمشاكل اليمن ليس، إذاً، لا ممكناً ولا هو المنقذ من ضلال الاقتتال أو الانفصال .
فهل يكمن الترياق في الحل السياسي؟ وإذا ما كان الأمر كذلك، فأي حل؟
تسنى لكاتب هذه السطور استطلاع آفاق هذا السؤال من ldquo;رأس النبعrdquo; اليمني، خلال لقاء مع الرئيس اليمني الجنوبي السابق علي ناصر محمد، في دارته المتواضعة (ولكن الأنيقة والتراثية) الرابضة على مشارف دمشق على مرمى حجر من الحدود اللبنانية .
الصدفة الجميلة شاءت أن يكون في الدارة أيضاً شخصية يمنية بارزة أخرى هي الرئيس حيدر أبو بكر العطاس، الذي خلف ناصر محمد بعد معارك العام 1986 في الجنوب، والذي كان أول رئيس وزراء لدولة الوحدة .
وجود الرئيسين الجنوبيين جنباً إلى جنب كان لحظة مُعبّرة للغاية في رمزيتها، خاصة بعد أن أصدرا مؤخراً بياناً مشتركاً ضد ممارسات سلطة الشمال في الجنوب، وكأن التاريخ أراد أن يطوي صفحات دموية من الماضي، كي يتجنّب فتح صفحات أكثر دموية في الحاضر .
العطاس كان لديه الكثير ليقوله . لكن تركيزه الأكبر تمحور حول كيفية إطلالة الجنوبيين الأخوية على أشقائهم الشماليين، على رغم كل ldquo;ثقافة الكراهيةrdquo; التي يتم بثّها الآن في كل أنحاء اليمن السعيد الذي لم يعد سعيداً البتة .
العطاس يُذكّر هنا بأن عبد الفتاح إسماعيل، مؤسسس ومُنظّر وزعيم الحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب، كان شمالياً من مقاطعة الهجيرة في تعز، وهو تعلّم في عدن وعمل في مصفاة النفط فيها . وحين بدأ نشاطه السياسي الثوري، كجزء من نشاطات حركة القوميين العرب، لم يدر في خلد أحد من رفاقه الجنوبيين التوقف عند مسألة أصوله الشمالية . العكس كان صحيحاً، على رغم أحداث 1986 الدموية التي أسفرت عن مقتل الآلاف في الجنوب ولجوء 60 ألفاً إلى الشمال .
العطاس، ذو الشخصية المُحببة والصريحة، يروي بحماسة كل هذه المعطيات وهو يشعر بألم يعتصر قلبه من الطريقة التي تعاطى بها الرئيس علي عبدالله صالح مع الجنوب بعد انتصاره العسكري في حرب ،1994 وهذا ما يجعله أميل إلى التشدد حيال حقوق الجنوب .
وهنا يُطل علي ناصر محمد برأسه ليُقدّم لليمن مخرجاً يفترض به أن يُبعد عنها كلاً من كأس الاقتتال ومرارة الانفصال . مخرجاً يدور برمته حول حوار وطني بين الدولة، على رغم سلطويتها، وبين الحراك الجنوبي، على رغم التطرف الانفصالي لدى بعض عناصره .
بعض ما قال علي ناصر، الذي رفض في السابق عروضاً من علي صالح لتولي منصبي نائب رئيس الجمهورية ورئاسة الحكومة وتعرّض إلى محاولة اغتيال ldquo;غريبةrdquo; في دمشق:
ldquo;الحوار الجاد والشامل والكامل هو السبيل الأوحد للخلاص، وللخروج من كارثة الاقتتال ولعنة الانفصالrdquo; . وrdquo;التصالح والتسامح يجب أن يكون العنوان الرئيس لهذا الحوارrdquo; .
أما العنوان الرئيس الثاني، فهو التغيير، التغيير الحقيقي الذي يمكن أن يدرأ الانقسام والتشرذم، ويحقن الدماء، ويحقق العدالة والمواطنة المتساوية، ويرفع من شأن القانون في مقابل الاستبداد السياسي، ويحفظ كرامة الفقراء، وينهض بالعملية الديمقراطية، وينتشل البلاد من حالة الحروب المتنقلة التي أحرقت الحرث والنسل . وماذا أيضاً؟
التعليقات