إذا كان ميليس وبيلمار ضحيتين لـquot;شهود الزّورquot; ألا يجدر التظلّم لهما؟!

وسام سعادة

لنتفق أقلّه على واحدة. فإمّا أن شهود الزور المزعومين quot;ضلّلوا التحقيقquot;، وإمّا أن المحقّقين الدوليين هم أنفسهم شهود الزّور.
في الحالة الأولى، يكون المحقّقون الدوليّون من ديتليف ميليس إلى دنيال بيلمار هم ضحايا quot;التضليلquot;. ويفترض بأنصار الحقّ حينها وعلى رأسهم quot;حزب اللهquot; الإنتصار لـquot;مظلوميّةquot; المحقّقين الدوليّين الذين وقعوا ضحايا quot;التضليل والغشquot; المحليين، من ديتليف ميليس إلى دنيال بيلمار، فيُساعَد هؤلاء على كشف المؤامرة التي حيكت لهم.
وفي الحالة الثانية، يكون المحقّقون الدوليّون من ديتليف ميليس إلى دنيال بيلمار هم أنفسهم quot;شهود الزّورquot; الذين لفّقوا التحقيق ثم القرار الظنّي، وعندها لا يعود ثمّة شهود زور محليين، لأنّه إذا كان المحقّقون الدوليّون هم أنفسهم شهود الزّور، فعلام الإتيان بالمحليين؟
لا ينفع الجمع بين الحالتين. لا يمكن أن يكون هناك شهود زور ضلّلوا المحقّقين الدوليين، ويكون هناك في الوقت نفسه محقّقون دوليّون لفّقوا شهود الزّور. فإمّا الجنوح لإثبات واقعة التضليل وإمّا الجنوح لإثبات واقعة التلفيق. وحتى الساعة، فإنّ quot;حزب اللهquot; وحلفاءه يدبّجون ما أرادوا من سيناريوهات ويتوعّدون ويتأهّبون، إلا أنّهم لا يجيبون على المسألة الأساسيّة: هل أنّكم تتهمون المحقّقين الدوليين بتلفيق التحقيق ثم القرار الظنّي، أم أنكم تتهمون شهود الزور بتضليل المحقّقين الدوليين؟
ما نسمعه إلى اليوم من لدن 8 آذار ليس إلا سيناريوهات مهووسة بفحص القدرة على إيذاء الآخرين، أو على أقلّ تقدير تعكير الجوّ العام، لكن أحداً من 8 آذار لم يقل لنا ما الذي يعنيه بالضبط بقضية شهود الزّور. القاضي بيلمار قال كلمة القانون الدوليّ في هذا المجال. رئيس الحكومة سعد الحريري قال كلمة رجل الدولة في هذا المجال، وتحديداً في ما يتعلّق بالحرص على تطوير العلاقات اللبنانية السورية. وزير العدل ابراهيم نجّار قدّم مطالعته quot;الإداريةquot; لهذا الملف. أمّا 8 آذار فلم تقل بعد أي شيء واضح ومفيد حول الموضوع: لأجل ذلك لا بد من إعادة تكرار السؤال، ما الذي تقصدونه بقضية شهود الزّور؟ الذين ضلّلوا التحقيق الدوليّ وعندذاك يكون التحقيق الضحية، أم المحقّقين الدوليين وعند ذاك لا يكون ثمّة شهود زور محليين، وتسقط عندها الحاجة إلى السيناريوهات العصبيّة التي نقرأها ونستمتع!
أما إذا قيل بأنّ وقوع المحققين والقضاة الدوليين ضحية تضليل هي حجة عليهم لا لهم، فهذه الحجة ستنطبق أيضاً على كل من أجمع على المحكمة الدولية في quot;طاولة حوار 2006quot; والتي انعقدت بعد أشهر عديدة من صدور تقرير ميليس وإعتقال الضبّاط الأربعة.
في كل الحالات نصل إلى خلاصة أساسية: نظرية quot;تضليل التحقيقquot; تناقض نظرية quot;تلفيق التحقيقquot;. إمّا هذه وإمّا تلك، لا بأس بأن يأخذ فريق 8 آذار وقتاً إضافياً لتبني إحدى النظريتين والإعراض عن الأخرى. جمعهما لا يستقيم وليس في مصلحته.
الأمر نفسه يقال بالنسبة إلى نظرية quot;القرائنquot; التي تدين إسرائيل. إذا كانت إسرائيل هي القاتلة فالأحرى التوقّف عن تخوين الشهداء الذين جرى التنكيل بهم. وإذا كان المحقّقون الدوليّون أداة إسرائيلية لا ينفع أن ترفع quot;القرائنquot; إليهم. وإذا كانت إسرائيل هي التي تحاول تضليل المحكمة الدوليّة لا يمكن حينها وصف المحكمة نفسها بالإسرائيلية، بل ينبغي التضامن معها بوجه التضليل الإسرائيليّ، ومحاولة كشف هذا التضليل أمامها، قبل وبعد صدور القرار الظنّي. وفي كل الحالات، لا يمكن قبول نظرية أن القاتل إسرائيليّ والمقتول إسرائيليّ والمحقق إسرائيليّ ومن يضلّل المحقّق إسرائيليّ والمتعاون مع التحقيق إسرائيليّ ومن يريد أن يعرف من قتل ذويه ورجالات الإستقلال الثاني في بلده إسرائيليّ.