محمد السعيد ادريس
السؤال المحوري الذي ظل غائباً عن جدل الاختلاف حول صراعات عملية التسوية الخاص بالعلاقة بين سياسة التوسع الاستيطاني والمشروع الصهيوني يفرض نفسه الآن، وبقوة أكثر من أي وقت مضى، خاصة ما يتعلق بما إذا كان الهدف الأساسي من سياسة التوسع الاستيطاني هو مجرد تحسين حدود الدولة الصهيونية والاستجابة لمتطلبات الأمن ldquo;الإسرائيليrdquo;، أي الحصول على ما يكفي من أراضي الضفة الغربية لتأمين أمن الكيان أم أن هذه السياسة التوسعية الاستيطانية هي مجرد حلقة من حلقات المشروع الصهيوني الأكبر والأوسع المرتبط جزئياً، ومرحلياً أيضاً، بالحدود التاريخية لفلسطين، أي ليشمل كل فلسطين، بمعنى آخر يطرح السؤال الآن لمعرفة ما إذا كان التوسع الاستيطاني مجرد تكتيك أم أنه استراتيجية أساسية لبناء المشروع الصهيوني في فلسطين ومن ينطلق بقوة ويتحدد حيث يستطيع السيطرة والهيمنة على أرض العرب .
دوافع طرح السؤال على هذا النحو كثيرة لكن يأتي في مقدمتها ثلاثة أمور هي أولاً الإصرار الشديد على رفض أي وقف أو تجميد للاستيطان حتى ولو كان الثمن هو تهديد العلاقاة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، وثانيها هذا التزامن بين التشدد الاستيطاني والاصرار على فرض مبدأ يهودية الدولة الصهيونية، بما يعنيه هذا المبدأ من إخلاء الدولة من غير اليهود وبالذات من شعبها الفلسطيني الذي لم ينزح من أرضه ولم يقبل باللجوء حلاً لمأساته، وظل متمسكاً بأرضه، فالإصرار على يهودية الدولة يجد تفسيره في التوسع الاستيطاني توطئة لجلب المزيد من اليهود المقيمين خارج ldquo;إسرائيلrdquo; باعتبارها وطناً شرعياً لكل يهودي أياً كانت جنسيته، والإصرار على الاستيطان يجد تفسيره في التمسك بمبدأ الدولة اليهودية، أما الأمر الثالث فهو أن القدس ظلت دائماً وأبداً خارج أي حديث عن مساومات إلغاء أو تجميد سياسة الاستيطان .
هذه الأمور الثلاثة التي تؤكد أن الاستيطان والتوسع والتهويد قضايا تخدم الاستراتيجية ldquo;الإسرائيليةrdquo; العليا المرتبطة بالمشروع الصهيوني نفسه وليس فقط بالأمن ldquo;الإسرائيليrdquo; ودليلنا على ذلك ما يحدث الآن على صعيد ترتيبات ما بعد استئناف المفاوضات المباشرة خاصة إحياء دعوة ldquo;الوطن البديلrdquo; من ناحية، والخطة الأمريكية الجديدة لتجميد الاستيطان لمدة ثلاثة أشهر .
فمن المقرر أن يعقد حزب ldquo;هتيلغاهrdquo; الصهيوني اليميني برئاسة عضو الكنيست أرييه الداد مؤتمراً في تل أبيب بداية الشهر المقبل حول ما يعرف بrdquo;الوطن البديلrdquo; الذي يقضي بأن ldquo;الأردن هو الدولة الفلسطينيةrdquo; وذلك بمشاركة أوروبية فحسب ما نشرته صحيفة ldquo;معاريفrdquo; يوم الاثنين (8 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري) فإن النائب اليميني المتطرف من حزب الحرية الهولندي جيرفيلدرز سيصل إلى الكيان للمشاركة في المؤتمر الذي يهدف إلى دفع وتطوير فكرة ldquo;الاعتراف بالأردن على أنه الدولة الفلسطينيةrdquo; حتى تكون ldquo;إسرائيلrdquo; من النهر إلى البحر وطناً يهودياًrdquo; .
يبدو أن القبول بهذا التوجه ldquo;الإسرائيليrdquo; الجديد هو أيضاً نوع من أنواع الواقعية التي يجب على العرب القبول بها، وهي واقعية توازن القوى من دون اعتبار للحقوق وتوازن المصالح .
أما بالنسبة للخطة الأمريكية الجديدة الخاصة باقتراح تجميد الاستيطان ldquo;الإسرائيليrdquo; ثلاث أشهر فقط، غير قابلة للتجديد، فإنها تؤكد جدية النوايا ldquo;الإسرائيليةrdquo; الخاصة بrdquo;الوطن البديلrdquo; ولا تنفيها، إذا ما أخذنا في الاعتبار شروطها، والرفض الذي استقبلت به من عتاة المتطرفين اليمينيين، ناهيك عن أثمانها الفادحة التي لن يدفعها غير العرب .
فوفقاً للخطة المقترحة فإن التجميد الاستيطاني محدد بثلاثة أشهر فقط غير قابلة للتمديد أو للتجديد، كما أنه لا يشمل القدس، فالقدس وحسب ما أكد مكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في بيانه هي ldquo;عاصمة دولة إسرائيلrdquo; وان ldquo;إسرائيلrdquo; لا ترى أي رابط بين عملية السلام وسياسة التخطيط والبناء في القدس، وأن القدس ليست مستوطنة بل هي عاصمة دولة ldquo;إسرائيلrdquo; . وفي المقابل فإن الثمن الذي ستحصل عليه ldquo;إسرائيلrdquo; هو تحالف أمني - سياسي مع الولايات المتحدة . ومع البدء في التفاوض ldquo;الإسرائيليrdquo; الفلسطيني حول موضوع حدود الدولة الفلسطينية المقترحة تقوم الولايات المتحدة بتقديم مساعدات أمنية وعسكرية وتعهدات سياسية غير مسبوقة عبر ldquo;رزمة حوافز تاريخيةrdquo; تبدأ بمنح ldquo;إسرائيلrdquo; 20 طائرة حديثة من طراز ldquo;إف- 35) بقيمة 3 مليارات دولار، وتمتد إلى تشديد الإجراءات العقابية على إيران حتى تتخلى عن برنامج لتطوير خيار عسكري نووي، على أن تتعهد واشنطن بصد أي حملة سياسية ضد ldquo;إسرائيلrdquo; في الأمم المتحدة، بما في ذلك استخدام ldquo;الفيتوrdquo; في مجلس الأمن ضد طلب الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية مستقبلة من دون اتفاق مسبق مع ldquo;إسرائيلrdquo; .
رغم ذلك تعرضت الخطة لرفض وهجوم حاد من شركاء نتنياهو في الحكم خاصة القائم بأعمال رئيس الحكومة موشى يعلون ووزير الخارجية الأسبق سلفان شالوم، وأكد رئيس مجلس المستوطنات اليهودية جوردون ميسيكا أن ldquo;حكومة نتنياهو بدأت شوط نهايتها وأن اليمين لم يعد يخاف من إسقاطهاrdquo; .
الخطة بتفاصيلها وتعهداتها هي ثمن تجميد مؤقت للاستيطان لا يتجاوز ثلاثة أشهر، وبعدها ينطلق، وتفشل المفاوضات بعد أن تكون واشنطن قد دفعت الثمن الذي لن يسدد فواتيره غير العرب .
التعليقات