محمد نور الدين
ليس خافياً على أحد أن تركيا كانت تسعى إلى تعزيز حضور القوى المناهضة للتجمعين الشيعي والكردي في العراق . وتجمع المصادر التركية على أن الخارجية التركية كان لها دور مهم في تكتيل التركمان والقوى السنية والبعثيين تحت مظلة إياد علاوي في القائمة العراقية .
وكان الهدف الأساسي من ذلك إضعاف نفوذ القوى التي تدعم الفيدرالية في العراق وخصوصاً في كركوك حيث فازت لائحة علاوي في كركوك بغالبية الأصوات في رسالة قوية ضد الفيدرالية . ومن هنا كان التعاطف التركي مثلاً مع مقتدى الصدر المعارض للصيغة الفدرالية في العراق .
ثابتة تركيا في منع تحوّل الفدرالية إلى تقسيم فعلي لم تحل دون تغيير نظرتها إلى الواقع العراقي . وبعدما خرجت أنقرة من المعادلة العراقية بعد الاحتلال الأمريكي للعراق فإنها سعت لاحقاً إلى العودة إلى هناك . وكلما كانت نهاية الوجود العسكري الأمريكي خارج القواعد العسكرية تقترب كانت تركيا تتقدم لإيجاد موطىء قدم هناك . فكان التغيير الجذري من خلال الانفتاح على المنطقة الشيعية إن جاز التعبير بزيارة وزير الخارجية أحمد داود أوغلو إلى البصرة وافتتاح قنصلية فيها، وأيضاً من خلال الخطوة التاريخية بزيارة داود أوغلو كوزير للخارجية أيضاً إلى أربيل عاصمة اقليم كردستان العراق واللقاء للمرة الأولى مع رئيس الاقليم وزعيم الأكراد القوي مسعود البرزاني .
وكان هذا، رغم كل التبريرات التركية، اعترافاً واقعياً بالفدرالية العراقية بعدما كانت تركيا تعارضها بشدة .
من أهداف التحول التركي تجاه التوازنات العراقية هو الهاجس الأمني تجاه مقاتلي حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل وتعزيز الحصة الاقتصادية لتركيا في العراق عبر الاستثمارات ولا سيما في قطاع إعادة الإعمار والنفط . وأيضاً تشجيع العراقيين على اعتماد خطوط النفط والغاز التي ستمر في تركيا ولا سيما مشروع نابوكو، وسعي تركيا لتتحول إلى ممر أساسي لتوزيع الطاقة إلى أوروبا . ويبدو من الحركة التركية في الأشهر القليلة الماضية أن أنقرة باتت تتعامل مع عراقين: عراق العرب وعراق الأكراد . فالموفدون الأتراك لم ينقطعوا عن التواصل مع حكومة أربيل بشأن قضايا سياسية وأمنية واقتصادية، وفي مقدمها سبل حل المشكلة الكردية في تركيا وعنوانها الاساسي الانفتاح الكردي من جانب الحكومة التركية، كما مسألة وجود خمسة آلاف مقاتل من حزب العمال الكردستاني في منطقة جبل قنديل التابعة لإقليم كردستان .
ومع أن تركيا وقّعت مع العراق، ومع حكومة نوري المالكي بالذات قبل سنة ونصف السنة اتفاقية مجلس التعاون الاستراتيجي التي تلاها توقيع اتفاقيات بالعشرات، غير أن السلوك التركي في العراق عاد للعب على وتر التناقضات العراقية .
وتجمع الصحف التركية على أن وزير الخارجية أحمد داود أوغلو كان يريد إزاحة جلال طالباني من رئاسة الجمهورية على قاعدة أن يكون الرئيس سنّياً عربياً وليس سنّياً كردياً . وهنا ربما يكون الأتراك ارتكبوا خطأ استراتيجياً إذ إن بقاء كردي في الرئاسة العراقية هو من عوامل استمرار اللحمة والوحدة العراقية حيث تستمر الصلة الكردية بالوطن العراقي وعدم الذهاب إلى اتجاهات انفصالية أكثر جذرية، ما يتعارض مع المصلحة القومية التركية وجهود حل المشكلة الكردية في تركيا في إطار وحدة التراب التركي .
أيضاً إن سعي تركيا لمجيء اياد علاوي إلى رئاسة الحكومة هو موقف يناهض اتجاهات التصويت لدى الغالبية الشيعية التي حسمت خيارها مع المالكي، والصدر، وعمار الحكيم الذين ائتلفوا في كتلة واحدة . ومع أن الدستور العراقي لا يشير إلى طائفية الرئاسات لكن موازين القوى على أرض الواقع لا تسمح بأن يكون رئيس الحكومة الشيعي من غير كتلة الائتلاف الوطني العراقي . إن موقف تركيا في هذا الاتجاه يعتبر خطأ تكتيكياً يزرع الشكوك في صفوف القوى الشيعية كما لدى إيران المؤيدة للمالكي تجاه السياسة التركية تجاه العراق .
إن عودة تركيا إلى العراق تفترض احترام موازين القوى على الأرض ومن ذلك ألا تبدو منحازة لهذا الطرف أو ذاك . وهو ما دفع غالبية المعلقين الأتراك للقول إن تركيا لم تحسن قراءة التوازنات الداخلية والاقليمية للعراق فكانت من بين الخاسرين في المعركة على تشكيل الحكومة الجديدة وعلى رئاسة الجمهورية، فيما كان الجميع متفقين على سنّي، ومن الكتلة العلاوية لرئاسة البرلمان .
ldquo;الصمت المطبقrdquo;، كما وصّفت صحيفة ldquo;ميللييتrdquo; التركية، الذي خيم على أنقرة بعد إعادة انتخاب الطالباني وإعادة تكليف المالكي يعكس فشلاً لسياسة الحياد والمسافة الواحدة التي كانت أحد عناوين السياسة الخارجية التركية . وليس أبداً من مصلحة تركيا حزب العدالة والتنمية الساعية إلى دور فاعل في المنطقة أن تظهر على أنها تمارس سياسة مذهبية في العراق أو في لبنان، كما أشارت صحيفة ldquo;ميللييتrdquo; . وبدورنا نضيف: ولا في أي منطقة عربية أو إسلامية أو في المحيطات الإقليمية الأخرى لتركيا .
إن أساس النجاح في سياسة تركيا الخارجية في السنوات القليلة الماضية، وكما نعرفها شخصياً من الوزير داود أوغلو بالذات، انها كانت على مسافة واحدة من الجميع . فحذار من تغيير قواعد اللعبة الذي يمكن أن يطيح بكل المشروع التركي الجديد في المنطقة، فيما المطلوب له أن ينجح .
التعليقات