سميح صعب
سلط اتفاق تبادل الوقود النووي بين ايران وتركيا والبرازيل الضوء اكثر على ما يمكن دولاً نامية ان تحققه في مجال الديبلوماسية لحل ملفات ساخنة. فالبرازيل وتركيا برزتا لاعبين اساسيين في الملف النووي الايراني حيث أخفقت الولايات المتحدة وروسيا وبقية الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن في إحراز تقدم نحو إيجاد تسوية لهذه المشكلة.
المشهد الذي جمع الرئيس البرازيلي لويس ايناسيو quot;لولاquot; دا سيلفا ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الى جانب الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد، يؤشر فعلاً الى حقيقة بروز قوى جديدة على المسرح الدولي يمكن ان تكون مؤثرة في مجرى الاحداث نظراً الى تمتعها بالقبول دولياً عكس الدور الاميركي الذي يثير التحفظ من اكثر من جهة.
ولا شك في انه كانت لشخصية الرئيس البرازيلي وتمتعه بتأييد شعبي داخل بلاده وباحترام دولي واسع في الخارج، الاثر البالغ في الدفع نحو دور بارز لبلاده على الساحة الدولية. كما انه كانت لصدقية اردوغان في الداخل وللانعطافة التي ادخلها على السياسة الخارجية لبلاده في ما يتعلق بالصراع العربي - الاسرائيلي، أثر كبير في جعل الدور التركي مرحباً به اقليمياً على رغم الاستياء الاسرائيلي.
وبطبيعة الحال انه لو لم يكن دا سيلفا واردوغان يتمتعان بتأييد داخل بلديهما لما تمكنا من كسب الاحترام والثقة على الساحة الدولية. ولعل هذا ابرز ما تفتقر اليه السياسة الاميركية خصوصاً بعد حربي افغانستان والعراق، وبعد الاخفاق المدوي في ايجاد تسوية للصراع العربي - الاسرائيلي. وربما هذا ما يجعل أطرافاً دولية كانت تتمتع بنفوذ دولي في السابق مثل روسيا تسعى الى استعادة دورها المفقود، او دولاً نامية مثل الصين تطمح الى دور سياسي يوازي حجمها الاقتصادي، او تكتلات كبرى مثل الاتحاد الاوروبي تسعى هي الأخرى الى تحقيق التوازن بين الحجم الاقتصادي والنفوذ السياسي دولياً.
بيد أن المستجد على المسرح الدولي، هو تلك القفزة التي حققتها دول نامية مثل البرازيل وتركيا اللتان تمزجان بين اقتصاد مزدهر في الداخل ودور سياسي متزايد في الكثير من الشؤون الدولية. وكانت زيارة دا سيلفا الى الاراضي الفلسطينية واسرائيل الاولى لرئيس برازيلي الى منطقة الصراع وذلك في محاولة لتلمّس دور سياسي ما يكون معطوفاً على استثمارات افضل للاقتصاد البرازيلي في الشرق الاوسط.
أما اردوغان فنجح في تحقيق التوازن بين سعي تركيا الحديثة الى الانضمام الى المشروع الاوروبي وبين الاستدارة مجدداً نحو الشرق عبر البوابات الفلسطينية والسورية والعراقية. وهنا حصل التحول الكبير في الموقف من الصراع العربي - الاسرائيلي وبدأت تركيا تضطلع بدور الوسيط بين سوريا واسرائيل الى ان رفضت تل ابيب هذا الدور بحجة الانحياز الى العرب. لكن ما خسره اردوغان في اسرائيل استعاض عنه بتعاطف في الساحة العربية وبعلاقات اقتصادية اقوى مع كل من سوريا والعراق، فضلاً عن العلاقة الوطيدة مع ايران.
الدور المتنامي لتركيا والبرازيل، لا سيما في الملف الايراني، جعل اسرائيل توجه الاتهام الى هاتين الدولتين بأنهما تحاولان اللعب في الوقت الضائع او بأن طهران تحاول الالتفاف على الضغط الدولي الذي تتعرض له من طريق خداع هاتين الدولتين. لكن الانزعاج الاسرائيلي ينبع في مثل هذه الحال من إيثار تل ابيب اعتماد الشدة مع ايران وليس الديبلوماسية.
لكن في ظل صعود ادوار لاعبين جدد في العالم، يلاحظ في المقابل غياب دور العرب وتأثيرهم سواء في القضايا التي تخصهم او في تلك التي تحيط بهم، من فلسطين الى ايران الى السودان والنيل. فالكثير من هذه القضايا يتقرر في الخارج وعلى حسابهم!
التعليقات