Victor Davis Hanson - National Review


شن أوباما المعارِض للحرب حملة لإغلاق معتقل غوانتنامو، وإنهاء المحاكم وعمليات الترحيل السرية، وانتقاد قانون مكافحة الإرهاب والاعتداءات بالطائرات بلا طيار، لكن ما إن خرج العراق من المعادلة، حتى اكتشف أوباما فوراً أن سياسات بوش التقليدية كانت فاعلة وتحظى بشعبية نسبية في آن، ما أجبره على الحفاظ عليها أو حتى توسيعها.

لايزال باراك أوباما مهووساً بجورج بوش الابن حتى الآن، فلطالما ردّد الرئيس أوباما وفريقه طوال سنتين تقريباً عبارة 'بوش هو المسؤول' عند تقديم التفسيرات لتبرير تردّي الوضع الاقتصادي والمالي وتأزّم الوضع الخارجي، وعلى ما يبدو، أن فريق أوباما يظنّ أنّ معظم مشاكلنا، محلياً وخارجياً، إما بدأت مع جورج بوش الابن، وإما أنها على الأقل لن تتجاوز المشاكل التي شهدها عهده.

في البداية، كان ذلك التصريح الاعتيادي كافياً لنقع في فخّه بسهولة، إذ لم تكن الأوضاع في أفضل حالاتها في يناير 2009 عندما تولّى أوباما الرئاسة، والأهمّ من ذلك، بدأ أوباما عهده مسجلاً نسبة تأييد تقارب السبعين في المئة. في المقابل، انتهت ولاية بوش بنسبة تأييد متدنية لا تتعدى الثلاثين في المئة، تماماً مثل الرئيس هاري ترومان الذي حُمّل بدوره مسؤولية مصائب البلاد.

لقد كان هوس أوباما المتواصل بسلفه منطقياً بعض الشيء في بداية عهده، ولكنّ هذا الموقف أصبح الآن مقاربة كارثية تدلّ على أنه يسيء قراءة الحقائق السياسية القائمة.

تعكس استطلاعات الرأي الأخيرة واقع أنّ بوش وأوباما يحصدان راهناً نسبة الشعبية نفسها تقريباً. لقد واجه مؤيّدو أوباما في مجلس النواب أسوأ هزيمة لحزبهم منذ العام 1938. فور انتهاء الانتخابات، غادر الرئيس واشنطن في جولة خارجية، ليواجه معاملة باردة من القادة الخارجيين الراهنين الذين شعروا بضعف موقف أوباما. في غضون ذلك، يقود بوش حملة من الظهور الإعلامي المكثّف بهدف الترويج لمذكّراته التي تحقق أعلى نسبة مبيعات، مترّفعاً بذلك عن كلّ جدل حزبي، ماضياً وحاضراً.

منذ عامين، صوّت الناخبون لمصلحة أوباما لأسباب متنوعة، بدءاً من استيائهم من أداء بوش وحرب العراق ووصولاً إلى تحقيق حدث تاريخي غير مسبوق بانتخاب أول رئيس أميركي أسود. وقد أدّى الانهيار المالي في سبتمبر 2008 إلى القضاء نهائياً على التفوق الضئيل الذي كان يحققه جون ماكين في استطلاعات الرأي، وذكّرت حالة الهلع السائدة بالقلق الذي سبّبه العجز المتزايد في عهد بوش وإقدامه على توسيع الحكومة.

لسوء الحظ، فشل أوباما في قراءة جميع هذه المعطيات، فانتهى به الأمر بالتذمّر بشأن الأمور التي فعلها بوش وأدّت إلى فقدانه دعم الناخبين.

ارتفع العجز من 500 مليار دولار ليبلغ 1.4 تريليون دولار، وسرعان ما غطّت برامج ضخمة مثل برنامج أوباما للرعاية الصحية (Obamacare) على برامج بوش الكبيرة وغير الممولة مثل مزايا الاستفادة من الأدوية ضمن برنامج الرعاية الصحية (Medicare) وبرنامج دعم الأطفال (No Child Left Behind). ثم تطوّرت خطة الإنقاذ الأولية التي طرحها بوش لتصبح حافزاً هائلاً وأساساً للسيطرة على الحكم.

سواء كانت نتيجة هذه التطورات عادلة أو ظالمة، تبين أن أخطاء بوش المالية بدأت تأخذ مرتبة الجنحة الخفيفة مقارنةً بغيرها. حتى أن ناخبي 'حزب الشاي' اعتبروا 'العلاج' الذي قدمه أوباما أسوأ من 'المرض' الأصلي الذي تفشى في عهد بوش.

انتشرت موجة الهوس وسوء التحليلات السياسية نفسها مع بوش على مستوى الشؤون الخارجية، وهكذا نفر الناس بسبب أعمال العنف في العراق والكلفة التي تكبدتها، لكن عدا عن ذلك لم يتأثروا فعلياً بالسياسة الخارجية التقليدية التي تبناها بوش ولا بقوانينه الخاصة بمكافحة الإرهاب. للأسف، لم يتمكن أوباما المهووس ببوش من رؤية هذا الواقع أيضاً. نتيجةً لذلك، حين ساد الهدوء نسبياً في العراق مع بداية عهد أوباما، أصبحت عبارة 'بوش هو المسؤول' مبتذلة وكان يجب تخطي هذه الديباجة المكررة.

شن أوباما المعارِض للحرب حملة لإغلاق معتقل غوانتنامو، وإنهاء المحاكم وعمليات الترحيل السرية، وانتقاد قانون مكافحة الإرهاب والاعتداءات بالطائرات بلا طيار. لكن ما إن خرج العراق من المعادلة، حتى اكتشف أوباما فوراً أن سياسات بوش التقليدية كانت فاعلة وتحظى بشعبية نسبية في آن، ما أجبره على الحفاظ عليها أو حتى توسيعها. فأدى تخبط مواقف أوباما إلى إرباك الأميركيين: ما سبب هذا الخبث في التعامل؟ وما الذي دفعه الآن إلى دعم الإرث الذي خلّفه بوش بعد أن كان يعتبره دوماً خطة شيطانية؟

حين حاول أوباما رسم سياسة خارجية جديدة مبنية على 'إعادة ضبط العلاقات'، ما يعارض صراحةً سياسة بوش، تزايدت حدة المفارقة الساخرة في الوضع القائم. لم يرغب معظم الأميركيين في أن تتم محاكمة المتهم بتصميم اعتداءات 11 سبتمبر، خالد شيخ محمد، في محكمة مدنية تفسح المجال أمام إيجاد فجوات قانونية. هم لم يظنوا يوماً أن الإعلان عن مُهل زمنية زائفة لانسحاب القوات العسكرية خلال زمن الحرب ستكون فكرة لامعة بشكلٍ خاص.

مقابل سياسة بوش المتفاخرة ونزعة الذهاب حتى النهاية- 'حياً أو ميتاً' كما يُقال- التي تطبع سكّان تكساس، لم يتوقع الأميركيون أن تشمل الخطة المضادة لتلك السياسة الانحناء أمام الأمراء السعوديين والحكام الدكتاتوريين الصينيين، والاعتذار في الخارج عن خطايا الولايات المتحدة المزعومة، أو نشر أخبار عن مساهمة العالم الإسلامي في النهضة الغربية والاستنارة الفكرية.

إن تجاهل بوش لأوروبا في الشأن العراقي لا يخول أوباما- الذي يعبر في كل مناسبة عن أنه لا يشبه بوش في شيء- الإمعان في تجاهلها من خلال طباعة مليارات الدولارات، وبالتالي حث الدول الأوروبية على زيادة نسبة اقتراضها على الطريقة الأميركية المتهورة، وإضعاف التحالفات القديمة مع جميع الأطراف، بدءاً من بريطانيا ووصولاً إلى بولندا.

لذا سنسمح لأنفسنا هنا بتقديم اقتراح محترم إلى الرئيس أوباما: بعد عامين تقريباً في سدة الرئاسة، أطلقْ العنان لسياساتك الخاصة لنعرف ما إذا كانت ستنجح أم ستفشل وحدها من دون ربطها بحقبة بوش السابقة. باختصار، تخلص من هوسك بشخصية بوش الذي يعيش أفضل أيامه اليوم وبدأ يستعيد موقعه نسبياً، قبل أن يؤدي هذا الهوس إلى استنزافك واستنزاف عهدك الرئاسي بالكامل.