تعذيب الخادمات هواية تقليدية!

خلف الحربي
الجريدة الكويتية
على الرغم من إدانة الصحافة السعودية لحادثة تعذيب خادمة إندونيسية على يد مخدومتها في المدينة المنورة فإن بعض كتاب الرأي ركزوا في أثناء تعليقهم على عواصف الاحتجاج التي انطلقت في إندونيسيا، بأن مثل هذه الجريمة البشعة نادرة الحدوث، ولا تعبر عن واقع أغلب الأسر السعودية التي تتعامل مع الخادمات بإنسانية وتعتبر الواحدة منهن جزءا من الأسرة.
وهنا يبرز مأزقنا الثقافي الكبير في تفسير مصطلح التعامل الإنساني، فصحيح أن حالات التعذيب قليلة، ولكن التعامل الإنساني مسألة يمكننا أن نضع تحتها ألف خط وخط، أما حكاية أننا نعتبر الخادمات جزءا من الأسرة فهذا من مضحكات القول وتسالي أواخر الليل؛ لأن الأغلبية العظمى من العائلات السعودية 'بل في كل دول مجلس التعاون الخليجي وبعض الدول العربية الأخرى' تستعبد الخادمات ليل نهار ويعتبرن ملك يمين، بل إن جميع مكاتب جلب العمالة المنزلية تمارس عمليات نخاسة علنية، بل مقننة حيث يمكن أن يبيع الكفيل الأول خادمته المنزلية إلى كفيل جديد لمجرد أنها لم تعجب أم العيال، ويحدث ذلك برعاية السلطات الرسمية وبمباركة الرأي العام وبموافقة ضمنية من النخب المثقفة بمختلف توجهاتها، وإن كان ثمة كلمات خجولة تصدر هنا وهناك من قبل جمعيات حقوق الإنسان المحلية فإنها مجرد كلمات بديهية لا تقدم ولا تؤخر شيئا في الموضوع.
نحن لا نريد أن نستوعب الحملات الدولية التي تحاول إفهامنا أن الخادمات بشر مثلنا لهن حقوق وعليهن واجبات، وأن العلاقة العملية بيننا وبينهن لا تمنحنا أي حق باستغلال فقرهن وضعفهن باستعبادهن طوال ساعات اليوم وهضم حقوقهن الوظيفية، بل إننا نمنح أنفسنا صلاحيات واسعة في تحديد مواعيد تسليمهن أجورهن ونتحكم بقرار عودتهن إلى بلادهن، ونشغلهن طباخات ومربيات وعتالات وفنيات ستلايت بالإضافة إلى أعمال النظافة والغسيل وكي الملابس التي لا تتوقف ليل نهار.
بصورة عامة نحن نستهجن ضربهن وتعذيبهن ونعتبر أن ذلك دليل كاف على إنسانيتنا! نعم... يكفي أننا لا نحرق أجسادهن بأسياخ النار كي ندلل على أحاسيسنا المرهفة! وننزعج بشدة من تقارير المنظمات الدولية التي تنتقد معاملتنا السيئة لهن، ونعتبر أن هذه التقارير محملة بالافتراءات، وتنطلق من أهداف خبيثة تضمر الشر لبلادنا وشعوبنا النقية... ونقول بكل شموخ لمنظمات حقوق الإنسان الدولية التي تنتقدنا: 'عليكم أولا أن تحلوا مشكلة معسكر غوانتنامو ثم يمكنكم التحدث معنا بشأن الخادمات في بيوتنا!'.
والأدهى والأمر أننا نوقع بكل سرور على كل الاتفاقيات الدولية التي تحارب الاتجار بالبشر، وتدعو لتعزيز حقوق الإنسان وتصادق عليها مؤسساتنا الشعبية، فنحن من ناحية المبدأ نؤمن بمبادئ حقوق الإنسان، ولكننا لا نريد تطبيقها على أنفسنا! كما أننا ولأسباب سياسية واقتصادية بتنا مضطرين للانصياع لشروط منظمات المجتمع المدني بعد أن أصبح لها حضورها الواضح في كل الاتفاقيات الدولية، والطريف أننا نعتبر هذه الالتزامات الدولية الصريحة مجرد حبر على ورق كي (يمشي شغلنا)، ونرفض تخيل أن هذه المخالفات الواضحة للاتفاقيات التي وقعنا عليها في يوم من الأيام قد تتحول إلى عقوبات أو إجراءات دولية، نعتقد أن العالم وجد كي يقدر ظروفنا ويتفهم خصوصيتنا العائلية، نريد أن نحظى بكل تسهيلات العولمة دون أن ندفع ثمن الفاتورة، نعتقد أننا سنخسر الكثير حين ننحاز لإنسانيتنا! وهنا مكمن الكارثة الثقافية التي سوف ندفع ثمنها غاليا خلال سنوات قليلة جدا... وإن غدا لناظره قريب.
سلعة
ثريا الشهري
الحياة
نصيب السعودية من الطلاق أكثر من 28 ألف صك طلاق خلال العام، منها 8274 صكاً في مدينة الرياض وحدها، ولأن تصل قدسية مؤسسة الزواج إلى هذا التساهل في إحلالها، فهو بالفعل أمر محزن، بل هو موحش بالنتائج المترتبة عليه، ولنأخذ زاوية من الموضوع ونعيرها بعض من التفافتنا، فكما يقول حكيم الصين كونفوشيوس: laquo;لا أفتح باب الحق لمن لا يحرص على معرفته، فإذا عرضت على إنسان ركناً من موضوع، ولم يستطع مما عرضته عليه أن يعرف بقية الأركان الثلاثة لهذا الموضوع، فإنني لا أعيد عليه درساًraquo;، وعموماً، المسألة ليست درساً يلقّن، ولكنه تحليل وأحسب أنه ركن، وعلى القارئ شحذ عقله، ليتصرف في أمره بما يهديه إليه إدراكه للأركان الباقية.
في الزواج تعوّد الرجل (الشرقي بالذات) على قتل laquo;أناraquo; المرأة، ولكن laquo;الأناraquo; لا تٌقتل، بل تتخفّى، ثم تظهر وتتشكّل بحسب وعي الشخص وذكائه ومفهومه لحدود هذا التشكّل، وعليه، فقد تعلمت المرأة كيف تخفي laquo;الأناraquo; وتظهرها على طريقتها وباستخدام أسلحتها وما تملك، وهي حيلة تلجأ إليها النساء بصرف النظر عن مستواهن العلمي والثقافي أو الاجتماعي، فالمرأة هي المرأة، وهي التي أصبحت رقيقة جداً ولطيفة جداً وملحة جداً في مطالبها الأنانية، والرجل الذي لم يكن ليسمح لأناها بالتعبير عن نفسها، هو من دفعها إلى العثور على طرائق غير مباشرة في التعامل معه، ولأن الرجل يحب أن laquo;تضحكraquo; عليه المرأة، فقد أقنع نفسه ببراءة أنثاه حتى يتمتع ويرتاح، أما المرأة فقد تعلمت بفطرتها وتلقائيتها أن أقصر السبل للتعايش مع الرجل هي الملتوية، فنادراً هو الرجل الذي يفضل المرأة الواضحة الصريحة والصادقة في مشاعرها وردود أفعالها تجاه قراراته وتصرفاته، فهذه المرأة قد تستفزه وتثير بداخله الإحساس بالتنافس والنفور، ثم بالانتصار عليها.
مهمة الرجل في بيته أن يثبت للمرأة والأبناء أنه القائد الحقيقي، فتراه متوتراً في إثباته، فجاً في إيصال رسالته، فمن هو القائد؟ إن كان الحب (وأعني الحب) يسكن قلب الزوجين فتراه هو القائد، فالحب عندها سيمتلك الاثنين، وسيجد طريقه إلى حل خلافاتهما بما يستحقه كحب، ولكن الحب ينتظر أن تكون جاهزاً لاستيعابه واحتضانه وإلا فسينزلق من بين أصابعك وإن حاولت قبضه، فلا أحد يمتلك الحب، الحب هو الذي يمتلكنا، وهناك فرق، أما عندما يختصر الرجل كيان المرأة إلى سلعة، وكذا تفعل المرأة معه، تصبح المرأة مجرد أداة للاستغلال الجنسي، ويصبح الرجل مجرد أداة للاستغلال الاقتصادي، فيتودد أحدهما إلى الآخر للحصول على غرضه وحاجته، وهنا تبدأ معاناة الاثنين معاً، ففي قرارة نفسه يعلم الرجل قدره عند امرأته، وفي قرارة نفسها تعرف قيمتها لديه، فهل يتصارح الزوجان بذلك؟ المواجهة محرجة ومؤلمة، فيظل الرجل يمجّد امرأته وأم عياله، ولكن عند الاختبار يتبخر كل التنظير، فتصدم امرأته من عمق الجرح، فإذا قررت الاستمرار في مسرحية الزواج القشرة، فتجدها وقد احتاطت فحاكت الخطط ونفذتها، ولك أن تتخيل البيت الذي تحول إلى ساحة معركة، وإلى بركان يفور ينتظر الإشارة ليقذف بحممه.
أما المرأة فلا أحب عليها من التباهي بزوجها ومدحه أمام الكل إلا أمام نفسها، فإذا جاء الموقف الذي يستعدي رأيها فيه وكانت في مواجهة غضب مباشرة معه، سمع الزوج صوتها الحقيقي فيه، ولأن الرجل من فئة الذين وصفهم آرثر ميللر بقوله: laquo;هناك أشخاص يفضلون أن يشنق الجميع على أن يوجه إليهم لوم أو يعترفوا بخطأ أو يرجعوا عنهraquo;،(الاستثناء لا يقاس عليه)، فلن يقبل بما سمعه من امرأته المصون ولن يصفى قلبه لها وإن تظاهر، ومع الشرخ، ومع تكاثر الشروخ يقع الطلاق، وليجرب غيرها، وقد تجرب غيره، ألم أقل لكم! سلعة.