حسام عيتاني


الآمال عريضة في نجاح نوري المالكي بتسوية الأزمة العراقية في ولايته الثانية التي بدأت أمس بتكليفه تشكيل الحكومة.

فبعد ثمانية أشهر ونيف من الانتخابات التشريعية، تخللها سقوط مئات الضحايا في أعمال العنف. وبعد انسحاب القوات الأميركية المقاتلة وتغير المشهد السياسي في واشنطن بعد انتخابات الكونغرس النصفية. وبعد تدخلات كثيفة من الدول المجاورة، نجح العراقيون، أخيراً، في التوقف عن إضاعة وقتهم والتقدم نحو علاج مشكلاتهم المتنوعة. أو هكذا يُفترض.

الحل الذي أفضى إلى إعادة تكليف المالكي، يُظهر معطيات عدة عن الحقبة المقبلة من السياسات العراقية. منها تمسك من يعتقد أنه حقق مكتسبات سياسية في الأعوام الماضية، بمواقفه ورفضه التخلي عن المنصب الأهم في الدولة مهما كلف الأمر.

والحبر الكثير الذي سال في وصف التوافق الضمني بين الأميركيين والإيرانيين على تولي المالكي رئاسة الوزراء، يفيد في فهم الكيفية التي تنظر بها كل من واشنطن وطهران إلى العراق ضمن استراتيجيتيهما الكبيرتين. بيد أن من الصعوبة بمكان التكهن بالأسلوب الذي سيتبعه المالكي في إدارة أوضاع العراق في الأعوام المقبلة. وإذا كانت دعوته أمس للكتل النيابية المشاركة في الائتلاف الحكومي إلى ترشيح الأكفاء لتولي الحقائب الوزارية، تدخل في باب الكلام العام، فإن ما من شيء في المعطيات المتراكمة في العراق منذ نهاية حكم صدام حسين، يشي بأن الكفاءة والنزاهة هما معيار الفوز بالمواقع الحساسة.

فالعراق الجديد مثله مثل العراق القديم، حالة عربية تقليدية من الاعتماد على العصبيات وذوي القربى في المناصب الأرفع. ولا يعدو فهم الديموقراطية والتحالفات الانتخابية والسياسية الفهم العشائري الطائفي الذي سبق لبنان العراق إليه. فسار الأخير في دروب التفاهمات الطائفية الفوقية، لا يلوي على شيء. وسيكتشف العراقيون، طال الزمن أو قصر، كما اكتشف اللبنانيون، الطريق المسدود الذي وضعوا أنفسهم فيه وسمحوا للآخرين بدفعهم اليه. طريق لا تلد فيه الصراعات الأهلية، الدموية والإعلامية، سوى صراعات جديدة.

على أن هذه الظواهر التي يدور الحديث حولها منذ أعوام، لا تختصر الحقائق العراقية. فهذه معطوفة عليها قضايا الفساد المستشري وضعف الأداء الإداري والخدمي وانهيار البنى التحتية للمؤسسات التربوية واكتشاف وجود laquo;اختراق إرهابي في أجهزة الأمنraquo; بعد كل مجزرة تصيب المدنيين العراقيين في أرواحهم ومصالحهم، تبدو كأنها مرشحة للبقاء في المستقبل المنظور.

وإذا كانت الأعوام الأربعة الماضية من حكم المالكي هي النموذج الذي سيقتدي به في ولايته الثانية، مع بعض التحسينات الخدمية، فمن العسير تصور خروج العراق من الأزمة التي يتخبط بها. فما كشفت عنه تسوية تكليف المالكي والمشاورات المديدة التي سبقتها يتلخص في صعوبة التوصل إلى مصالحة سياسية حقيقية، تعالج جراح الماضي وتتيح الاهتمام بمشكلات المستقبل.

وما زالت شعارات مثل laquo;رفض عودة البعثيينraquo; و laquo;لن يأخذوا بالانتخابات ما عجزوا عن أخذه بالتسلط والإرهابraquo; مقابل شعارات تلجأ إلى العروبة، تشكل الخلفية الحقيقية والمخبأة تحت طلاء الكلمات الرنانة، للانقسام المذهبي. ولعل ليس من مجافاة للواقع القول إن حدة المواقف العراقية لم تجد ما يخففها سوى ضرورات القوى الخارجية الباحثة عن فترة من الهدوء لاعادة تقويم الموقف وحشد قدراتها، استعداداً - على الأرجح - لجولة جديدة قد يكون العراق أو غيره، ساحة لها.