عبدالله خليفة الشايجي

تُصدر وزارة الخارجية الأميركية سنويّاً العديد من التقارير التي ترصد الكثير من الممارسات والحريات وحقوق الإنسان بتكليف من الكونجرس الأميركي. وعادة ما تثير تقارير الخارجية الأميركية المنتقدة للعديد من الممارسات التي ترصدها البعثات الخارجية الأميركية حول العالم، وحتى في الدول الحليفة لواشنطن، الكثير من اللغط والانتقادات من حلفائها على المستويين الرسمي والشعبي وحتى الأكاديمي بصفته تدخلاً في شؤون الدول. وتتناول تقارير الخارجية الرسمية السنوية قضايا حساسة ومحرجة تتعلق بحرية الأديان والحريات العامة وحقوق الإنسان والمرأة والتمييز العنصري والديمقراطية والاتجار بالبشر. وتقوم بعملية الرصد والمتابعة والتوثيق البعثات الدبلوماسية الأميركية وخاصة السفارات ومراكز الدراسات المتخصصة ومنظمات المجتمع المدني وغيرها من الجهات المتخصصة. ويتم الإعلان عن نتائج تلك المساعي بتقرير موثق يُرسل حسب القانون إلى الكونجرس الأميركي، ليكون مرجعاً للإدارة الأميركية في التعامل مع تلك الدول المصنفة في خانة الدول الأكثر انتهاكاً لتلك الحريات، والتي يتم الإعلان عنها وتمنح فرصة لتحسين الأوضاع المتردية أو وضعها في اللائحة السوداء.

وهذا ما تكرر في الأسبوع الماضي عقب إصدار وزارة الخارجية الأميركية لتقريرها السنوي لعام 2010 عن وضع quot;الحرية الدينية في العالمquot; الذي رصد حال الممارسات الدينية ومعاملة الأقليات والسياسات الرسمية تجاه احترام حرية الأديان في 198 دولة حول العالم مع استثناء رصد حالة الولايات المتحدة نفسها. وبحسب كلينتون في مؤتمرها الصحفي حول التقرير، الذي وصفت فيه حرية الأديان كأحد مبادئ وركائز الدبلوماسية الأميركية، فإن وزارة العدل هي الجهة الرسمية المخولة برصد حريات وتجاوزات ممارسات حرية الأديان في الولايات المتحدة الأميركية. وأكدت الوزيرة كلينتون أن quot;الولايات المتحدة لا تمارس دور القاضي أو المحكمة أو تقدم نفسها كمثال كامل للآخرين، إلا أننا نهتم بحرية الأديان لأنها إحدى دعائم حقوق الإنسان وإحدى ركائز المجتمعات المستقرة والمسالمة والمزدهرةquot;. ويلاحظ في تقرير هذا العام، تنامي ظاهرتين: العداء للإسلام وكذلك للسامية. وممارسة العديد من الدول الأوروبية قيوداً وتشدداً على حرية الأديان quot;مما قد يؤدي إلى عدم التسامح وغياب الثقة التي تجعل الأقليات الدينية في وضع صعب ومهمشquot;. وكل هذا طبعاً كلام جميل، ولكن ما هي الأهداف منه.. وماذا يخفي؟

يذكر أن نشر التقرير عن حرية الأديان كان قد أثار موجة ناقدة من الغضب في الكويت وفي دول أخرى، كما هي الحال في كل عام عقب إصدار تلك التقارير خاصة عن الحريات الدينية وعن الاتجار بالبشر. وكان هناك تباين في الكويت حول التقرير. ففي حين تفهمت quot;الجمعية الكويتية لحقوق الإنسانquot; معتبرة أنه يحمل مضامين إيجابية حول موقف الحكومة والتزامها بما نص عليه الدستور من حرية الاعتقاد والقيام بشعائر الأديان طبقاً للعادات المرعية، رفضت quot;جمعية مقومات حقوق الإنسانquot; تقرير الخارجية الأميركية ومعها رئيس مجلس الأمة والعديد من الكتل النيابية، وكذلك كتاب الصحف، معتبرين أن فيه تجنيّاً وتدخلاً في الشأن الداخلي الكويتي، وأنه لا يعكس الواقع. والأخطر وصف التقرير بأنه quot;يثير الفتنة ويؤجج الطائفيةquot; لتناوله بشكل غير واقعي وضع الشيعة في الكويت.

وكان أكثر ما لفت الأنظار وأثار تعليقات بين مؤيدة في أكثريتها وناقدة بأقليتها تعليق رئيس مجلس الأمة الذي لا يتردد عقب كل تقرير ناقد للكويت في انتقاد واشنطن واصفاً إياها، وخاصة بعد فضائح جوانتانامو وقبلها أبو غريب، بأنها quot;تسكن في بيت من زجاج وعليها ألا ترمي الناس بالحجارةquot;. وكرر موقفه الناقد أيضاً في الأسبوع الماضي في تعليقه على التقرير بأنه quot;كله فتنة وهو ليس الأول ولن‮ ‬يكون الأخير الذي‮ ‬تتحدث فيه الولايات المتحدة بعنجهية وكأنها شرطي‮ ‬العالم،‮ ‬متناسية حقوق الإنسان التي‮ ‬تواصل أميركا انتهاكها باستمرار واحتجاز مواطنين كويتيين وغيرهم بلا محاكمة‮.‬.. ‬إذا كانت الولايات المتحدة حريصة على الاستقرار وعلى علاقاتها مع شعوب ودول المنطقة‮ ‬ينبغي‮ ‬عليها الحرص على التقارير التي‮ ‬تصدر عنهاquot;،‮ وختم quot;آملاً‮ ‬quot; أن quot;تنتبه أميركا إلى عدم إثارة فتن نحن في‮ ‬غنى عنها خصوصاً في‮ ‬مجتمعنا الصغير،‮ ‬نحن في‮ ‬الكويت أسرة واحدة وحريصون على أن نوحد صفوفنا،‮ ‬وألا ندع مجالًا لأميركا وغيرها لإشعال فتنة في‮ ‬البلاد‮‬quot;. وهذا كلام ملفت وذو دلالات من شخصية معتدلة ومستقلة، كما تمتلك أسرته العديد من الوكالات الحصرية الأميركية.

طبعاً في التقرير حقائق على الحكومات التعامل معها بجدية وخاصة ما يتعلق بالممارسات ومعاملة الأقليات. ولكن إذا كانت تقارير الخارجية الأميركية تسيء لخصومها وتستهدفهم فهذا قد يكون جزءاً من سياسة المواجهة والحصار الذي تشنه واشنطن وحلفاؤها عليهم لمحاصرتهم وإضعافهم والطعن في شرعيتهم ومصداقيتهم. ولكن ما هو غير واضح هو وضع واشنطن حلفاءها أيضاً في سلة الخصوم والأعداء. وهو تصرف مكلف ويتكرر سنويّاً ولا يغير من قواعد اللعبة باستثناء إحراج الحلفاء الذين يتساءلون عن الهدف من ذلك.

والسؤال: ماذا تريد واشنطن بالضبط من استخدام ورقة حرية الأديان والمذاهب في ظل الاحتقان الكبير خاصة بين السنة والشيعة والمسلمين والمسيحيين في أكثر من دولة ومجتمع في المنطقة؟