غسان شربل
أحاول الاحتفاظ برصانتي. لا يحالفني الحظ دائماً. يخونني خصوصاً حين أزور تلك الأرض التي يفترض أن أدعوها وطني. والحقيقة انني مواطن صالح. مطالبي محدودة وشديدة التواضع. لا أطالب بلادي بأن تقدم نموذجاً لنجاح تجربة التعايش. والاعتراف بالآخر. والاستماع الى طبول المخاوف الوافدة من تاريخه والتي تسمّم حاضره ومستقبله. أقلعت عن هذا النوع من المطالب. ولا أطالب بأن تكون بلادي واحة للديموقراطية. هذه النبتة الغريبة تحتاج الى نوع آخر من التراب. ولا أطالبها بحمل مشعل التغيير في هذا الجزء من العالم. ذات يوم لمع فيها ضوء قنديل فكان العقاب رهيباً. اغتالها أبناؤها واغتالها الآخرون.
أنا رجل واقعي. لا أطالب برحيل القساة عن المشهد. أطالب فقط بخفض شبق القسوة لديهم. وأن تخالط مواسم تسلطهم فسحات ضئيلة من الرحمة... من الإشفاق على البلد والناس. لا أطالب بشطب من ينهبون البلاد والعباد. أطالب بخفض منسوب الجشع لديهم إذ لم يبقَ ما يستحق هذه الشراهة الضارية. لا أطالب بألا يسلّمنا هذا القطب أو ذاك لنجله أو صهره لكنني أطالب بأن يسلمنا للابن الأقل ضرراً وللصهر الأقل إيذاءً.
أكتب في المقهى. أشعر بارتياح شديد. يعمل المقهى في صورة طبيعية فيما الجمهورية معطلة. يستقبلك النادل بابتسامة ولا يسألك عن القرار الظني. تطلب فيحرص على تلبية طلبك. علاقات طبيعية وإنسانية تناقض علاقات الخوف والترهيب داخل الجمهورية. داخل الجمهوريات العائمة على غير هدى بعد اصطدام السفينة المتكرر بصخور التركيبة وصخور التحولات. المقهى سر. الجمهورية فضيحة. المقهى دفء. الجمهورية صقيع.
أحاول الاحتفاظ برصانتي. لكن بلاد الأيتام الذين يتسولون السلام والحلول والاستقرار ومعاهدات عدم الاعتداء القابلة دائماً للنقض، تدفعك الى أسئلة بسيطة وساذجة ومضحكة.
أسئلة غريبة. بماذا يفكر الرئيس ميشال سليمان في الدقائق التي تسبق استيلاء النعاس على جفون قصر بعبدا؟ هل يعتقد بأن عهده سينتهي مع صدور القرار الظني أم أن عهده لم يبدأ بعد؟ هل يعتقد بأن المريض غير قابل للإنقاذ وأن مهمته هي إرجاء الحشرجات عبر تكثيف المهدئات؟
بماذا يفكر الرئيس نبيه بري قبل أن يتحكم النوم بمقره في عين التينة؟ ألا يشكل رهانه المبرر على الـ laquo;س. س.raquo; اعترافاً صارخاً بأن هؤلاء الذين انتخبهم الشعب يشهرون عجزهم في الأزمات ويصبون الزيت على الحرائق بدل اجتراح الحلول؟ وبماذا يهجس بري وهل يشعر بالخوف على بلاده الضعيفة وطائفته القوية؟
بماذا يفكر الرئيس سعد الحريري قبل أن يطفئ النعاس أنوار بيت الوسط؟ هل يخاف على الحقيقة أم يخاف منها؟ هل يظن أن القرار الظني هو بداية للجمهورية أم نهاية لها؟ هل يستطيع هذا الملاكم بلورة صيغة عادلة لتوزيع السم؟
يمكن طرح السؤال نفسه عن السيد حسن نصرالله والرئيس أمين الجميل والنائب وليد جنبلاط والدكتور سمير جعجع. أعرف بماذا يفكر المواطن العادي. إنه يراهن على نجاح حفلة التسول الحالية علّها تثمر هدنة، تمنع هذه البلاد السائبة من متابعة السفر الى الماضي. من متابعة السفر الى ركامها.
التعليقات