عبد الزهرة الركابي

يبدو ان احتدام المعركة على رئاسة الحكومة بين نوري المالكي وأياد علاوي جعل الأمر يصبح تعتيماً على الخسارة الكبيرة التي لحقت بالمجلس الاسلامي الذي يرأسه عمار الحكيم والتي تعززت بعد المغامرة الفاشلة التي قام بها الأخير، بفرض منع المالكي من العودة إلى رئاسة الحكومة مرة أخرى، واحلال محله مرشحه عادل عبد المهدي، بيد ان حسابات المجلس الاسلامي في مثل هذه الظروف ارتدت خائبة عليه، لا سيما في مثل هذه الظروف التي أشرت على تراجع نفوذه في الساحة الشيعية، وأولها نجاح المالكي في تهميشه من خلال الانتخابات الأخيرة، بعدما استطاع بنسبة كبيرة في استمالة أنصاره ومرشحيه اليه، حتى ان الأصوات التي حصدها المالكي جاءت على حساب أصوات هذا المجلس.
وثانيها تخلي ايران عن دعمه عندما شعرت بتراجع نفوذه في الانتخابات، ويبدو أن هذا التخلي مهما كان حجمه، كان السبب الذي يقف وراء الضائقة المالية التي اعترته في الفترة الأخيرة، ومن الواضح ان الدعم الإيراني توجه إلى صوب التيار الصدري الذي حصل على 29 مقعداً في الانتخابات الأخيرة وفي ظروف كانت تعمل لغير صالحه، حتى انه كان في وضع أشبه ما يكون محاصراً.
والحقيقة، بعدما آلت الأمور إلى عمار الحكيم، فإن المجلس الاسلامي فقد أكثر من نصف قوته، حيث حصل على 30 مقعداً مع منظمة بدر (فيلق بدر) في الانتخابات الأخيرة، بينما في انتخابات 2006 حصل على أكثر من 50 مقعداً، كما ان زعيمه السابق عبد العزيز الحكيم كان رئيساً للتحالف الشيعي، في حين ان رئاسة هذا التحالف في هذا الوقت أصبحت من نصيب ابراهيم الجعفري، ناهيك عن بعض الذين كانوا محسوبين عليه قد التحقوا بكتلة المالكي (دولة القانون) خلال الانتخابات الأخيرة، وهو أحد الأسباب التي كانت وراء تدني عدد مقاعده التي حصل عليها في البرلمان، وبالتالي فهو قد تراجع تراجعاً كبيراً بين القوى الشيعية، حيث انكفأ إلى المركز الثالث بعدما كان في المركز الأول شراكة مع التيار الصدري.
لذلك، فإن هذا التراجع شكل انعكاساً سلبياً على نفوذ هذا المجلس في المؤسسة الشيعية الحاكمة، ومن الطبيعي ان حصته الوزارية ستتأثر بشكل كبير في الحكومة المقبلة، وبالتالي لم يعد بمقدوره الحصول على وزارة سيادية مثلما كان عليه الحال في السابق بدءاً من وزارة الداخلية وانتهاء بوزارة المالية، وهو في الحكومة المقبلة لا يستطيع الاحتفاظ بالوزارات التي كانت من حصته، وخاصة وزارة المالية التي سيحصل عليها الأكراد مقابل تخليهم عن وزارة الخارجية التي ستكون من حصة السنة هذه المرة، وعلى الأرجح فإن المجلس سيحصل على وزارة واحدة لا أكثر، ويأتي هذا التقليص كأمر طبيعي لانحسار نفوذه، ويعتقد المراقبون ان نفوذ آل الحكيم سينتهي ويتلاشى في السنوات الخمس المقبلة، وان مبررات وجوده على الساحة الشيعية لم تعد موجودة، لا سيما في ظل انتفاء عمل المعارضة العراقية السابقة من جهة ومن جهة أخرى اغتيال الزعيم التاريخي للمجلس محمد باقر الحكيم، كما ان الساحة الشيعية في هذا الوقت أصلاً، بدت مهيأة لزعامة آل الصدر أكثر من أي وقت مضى.
تجدر الاشارة في هذا الجانب، إلى ان هناك الكثير من البيوت الدينية الشيعية التي مارست السياسة قد انطفأ وهجها على مرور الزمن، وعلى سبيل المثال لا الحصر: آل كاشف الغطاء، آل بحر العلوم، آل ياسين. آل الحبوبي، آل الخوئي، بيد ان بيت الحكيم قد يكون عمر طويلاً في هذا الصعيد لاسباب تتعلق بالمعارضة العراقية السابقة لنظام صدام حسين والتي امتدت لأكثر من ثلاثة عقود، حيث كانت جماعة الحكيم وبتسميتها السابقة والحالية، كانت احدى الجماعات الشيعية المعارضة في الخارج، وكانت مثلما هو معروف تتلقى دعمها من إيران، بل ان جناحها العسكري (فيلق بدر) قاتل إلى جانب الجيش الإيراني ضد الجيش العراقي الذي كانت غالبية منتسبيه من الشيعة.
وعلى كل حال، ان المستقبل المنظور والبعيد على السواء، سوف يشكل نهاية سياسية تدريجية لكل الجماعات والقوى التي جاءت وانضوت في العملية السياسية التي تبناها الاحتلال، وهذه النهاية بلا شك تتوقف على الانسحاب الأميركي من العراق ومدى جدية وصدقية هذا الانسحاب، ولهذا فإنّ هذه القوى تعتقد في قرارة نفسها ان انسحاب الاحتلال ليس في مصلحتها، حتى ان بعضها عارض علانية لمجرد فكرة هذا الانسحاب، فما بالك إذا كان مثل هذا الانسحاب حقيقياً؟.
وعليه، قد يكون نوري المالكي آخر الزعامات الشيعية التي توارثت السلطة من المعارضة العراقية السابقة، والتي تصدرت العملية السياسية التي تبناها ورعاها الاحتلال، وعلى الأرجح ستكون نهاية ولايته هي نفسها نهاية حزب الدعوة، انطلاقاً من ان بعض الأحزاب تشب وتترعرع في كنف المعارضة، بيد أنها عندما تتسلم السلطة ينتابها الوهن، وبالتالي تضمحل وتتلاشى بمرور الزمن.