محمد المزعل

بعد أيام فقط من احتفال دولة الإمارات بعيدها الوطني التاسع والثلاثين، بعد غد الخميس، يلتئم زعماء مجلس التعاون في أبوظبي لقمة جديدة في السادس من ديسمبر. وينتظر، وفقا لأكثر التحليلات، أن يسيطر الهاجس الأمني على القمة التي تعقد في خضم تقلبات أمنية شديدة التعقيد في المنطقة. الأمر الذي يشير إلى أن عام المنطقة المقبل سيكون سياسيا، بينما كان 2010 اقتصاديا بامتياز.
كانت الأشهر الاثني عشر الماضية صعبة جدا على دولة الإمارات. كما هو الحال في بعض الدول الخليجية الأخرى. لكن تلك الصعوبات كانت أكثر وضوحا في الإمارات بحكم ارتباط اقتصادها، وخاصة في دبي وأبوظبي، بالاقتصاد المعولم. فمصارفها وشركاتها الكبرى أكثر تأثرا من الدول المجاورة بالأزمات العالمية.
فحين ينهار مصرف استثماري مثل laquo;ليمان براذرزraquo; لابد أن يكون لذلك صدى في الإمارات. كما أن تجارة إعادة التصدير تحتل حيزا مهما في الناتج الوطني. كما أن ارتباط بعض المصارف البريطانية والأمريكية بحركة الاقتصاد الإماراتي، وخاصة في مجال الإئتمان والقروض، قاد الإعلام الغربي إلى تسليط الضوء على الاقتصاد الإماراتي، لا سيما في دبي، أكثر من غيره.
ولم تخل تلك التغطية المكثفة من المبالغة والتضخيم. وهو أمر اشتكى منه الكثير من المسؤولين الإماراتيين. ولم يخف الشيخ محمد بن راشد المكتوم استياءه من التغطية الانتقائية في وسائل الإعلام الغربية.
لا شك أنه كان هناك تراجع في الدورة الاقتصادية. وتخلفت شركات كبرى عن سداد بعض من التزاماتها. وتوقف العمل في بعض المشروعات العقارية والاستثمارية. وتداعيات أخرى كانت مثار حديث وسائل الإعلام طوال الأشهر الاثني العشر الماضية.
لكن الحياة تستمر، والأساس الاقتصادي لدبي لا يزال ثابتا. النمو المتوقع هذا العام قد يتجاوز الثلاثة في المائة. والتحليلات تشير إلى أن الإمارة نهضت من laquo;كبوتهاraquo; ربما بخطوات أكثر ثباتا، وإن كانت أبطأ قليلا.
وكذا الحال في بقية الإمارات. عشية الاحتفالات بالعيد الوطني تبدو هذه الدولة النموذج أكثر تفاؤلا. خاصة وإن الأزمة العالمية اختبرت قوة الاتحاد. وصقلته. دون أن نلاحظ ان التكامل والاندماج هو استراجية هذه الامارات.
إن الهدف منذ اليوم الأول لقيام التجربة الوحدوية العربية الوحيدة خلال الأربعين عاما الماضية (والتجربة الناجحة الوحيد في تاريخنا المعاصر) كان الاندماج الفعلي. اليوم، والاتحاد يكمل عامه التاسع والثلاثين، أكثر ثقة بالمستقبل. ومواطنوه أكثر تلاصقا، وسياساته أكثر اتساقا.
قبل أسابيع صدر كتاب laquo;حديث الذاكرةraquo; للشيخ سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وفيه يتجدث عن السنوات الأولى لقيام الاتحاد، سنوات التكوين، ويشرح بصراحة الصعوبات التي واجهت التجربة، كان هناك ضغوط إيرانية وأخرى بريطانية. لكن الاتحاد استطاع تجاوز تلك الصعوبات. ويعزو الشيخ سلطان تلك القدرة على إدارة الأزمات المتلاحقة خلال السنوات الست الأولى إلى إيمان الرئيس الراحل الشيخ زايد laquo;رحمه اللهraquo; والآباء المؤسسين بالتجربة.
هذه التجارب أكسبت الإمارات خبرة في مواجهة الأزمات، لذلك لم يكن صعبا جدا التغلب على تداعيات أزمة الاقتصاد العالمي، الدولة اليوم أكثر ثقة بمستقبلها، خاصة وأن المؤشرات مريحة، ففي عز الأزمة لم تتوقف مشروعات البنية التحتية في دبي. فكان افتتاح الخط الأول للمترو في اواخر العام 2009، وينتظر أن يفتتح الخط الثاني في صيف العام المقبل. كما أن أبوطبي لم تتوقف عن الإدهاش، فبرامجها الضخمة لا تزال تجذب المهارات والمستثمرين.
لكن ذلك كله قد لا يقارن بقدرة الإمارات والدول الخليجية الأخرى على إدارة الأزمات الأمنية التي يتوقع أن تتزايد خلال الشهور القليلة المقبلة. ولذلك سيكون أمام قمة مجلس التعاون في الأسبوع المقبل ملف ضخم هو التحدي الأمني لا سيما في استمرار الأزمة الإيرانية في شأن ملف طهران النووي والصراعات اليمنية الداخلية واستمرار نزيف الدم العراقي.
كما أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تستعد، وفقا للتسريبات المتواصلة، لإصدار قرارها الإتهامي والذي يتوقع أن يتحدث عن مسؤولية أعضاء في حزب الله عن اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، وكان حزب الله قد أعلن أنه لن يقبل القرار laquo;وسيقطع اليد التي تمتد لاعتقال أي من عناصرهraquo;. ذلك سيفتح بلا شك نزاعا لبنانيا جديدا يتوقع هذه المرة أن يكون أسوأ من سابقيه يحكم طبيعته المذهبية.
من جانب آخر، كان الإعلان السعودي عن اعتقال العشرات من أعضاء القاعدة الذين كانوا يخططون لاستهداف مسؤولين سياسيين وأمنيين وشخصيات اعلامية، دليلا على أن القاعدة لا تزال تمثل خطرا حقيقيا على الأمن الإقليمي، وكان فرع القاعدة في اليمن حاول اختبار قدرات السلطات الأمنية في الخليج مؤخرا عبر إرسال طرود مفخخة إلى الولايات المتحدة عبر مطارات خليجية.
لذا وفيما تودع الإمارات والدول الخليجية الأخرى عاما كانت الأزمة الاقتصادية عنوانه، يستقبل الخليجيون عاما سيكون الأمن هاجسه، وستكون التطورات الإقليمية عنوانه الرئيسي، للتفاؤل محل كبير، وتراكم الخبرات يسهل مهمة الحكومات في مواجهة الأزمات المتوقعة.
العام المقبل سيكون على الأرجح سياسيا بامتياز، والتكهنات تشير إلى تحديات حقيقية، وربما صعبة، لكن المطمئن أن الدول الست اليوم أكثر ثقة لا سيما وأن مساحة الخلاف التي سيطرت على مجلس التعاون قبل بضعة أعوام ضاقت كثيرا خلال العامين الماضيين. وذلك حديث له بقية.