سيد أحمد الخضر

لا يعنيني التنبيه إلى أن أصحاب الموقع يعملون على ابتزاز الحكومات والدول حتى تخشى صولاتهم وتدفع لهم ثمن السكوت، كما فعلت شركات تصنيع الأدوية عندما هوّلت من شأن إنفلونزا الخنازير، لا يهمني ذلك إطلاقا لأنني لا أريد التحيز إلى صف الحكومات خصوصا العربية منها.
لذلك سنتكلم فقط عن محتوى التسريبات وقيمتها على الصعيد السياسي وما إذا كانت تضيف جديدا للمتابعين.
قبل فترة وُضعنا في حالة تأهب قصوى لأن الموقع سيكشف عن أمور خطيرة لم تصل إلى مسامع الناس، وبات لزاما أن نخصص حيزا مهما من الوقت لمتابعتها.
العالم كله كان في انتظار هذه الأسرار التي قد تغير وجه التاريخ وتضع الجماهير في صورة الحقيقة، وكان علينا تقبل أنه قد تكون للحروب خلفيات غائبة عنا وهناك لاعبون خلف الكواليس والكثير من المعلومات التي قد تُحدث تغيرا جذريا في العلاقات الدولية وتحدث تحولا عميقا في الملفات الإقليمية.. لكن بعد أيام بزغ الزيف وكنا على موعد مع تقارير سخيفة تلوك معلومات قديمة يعلمها حتى عامة الناس.
قال الموقع إن أميركا أعدمت الكثير من العراقيين وسجنت كثيرين وأضاف معلومة جديدة هي أن حكومة العراق على علم بتلك التجاوزات وكثيرا ما غضت الطرف عما يحدث في معتقلات الاحتلال.. لقد كان هذا كافيا لنعيش أسبوعا كاملا من التجاذبات السياسية والتحليلات والتحليلات المضادة وخيل للقاصرين أن الموقع حرك المنطقة. بينما الحقيقة أننا جميعا كنا نعلم أن الولايات المتحدة لم تأتِ إلى العراق إلا لتقتل وتنهب وأول موقع أمنته القوات الأميركية كان وزارة النفط، ويدرك الناس كافة أن الحكومة العراقية كانت صنيعة لفخامة الرئيس العراقي السابق بول بريمر.. هل كان أحد يجهل أن علاوي والمالكي والباجه جي والحكيم أنصار أميركا وأحباؤها؟ وهل تعتقد القنوات الفضائية ووكالات الأنباء أن الجماهير اعتقدت ولو لحظة أن الولايات المتحدة مخرت عباب الصحراء وعبرت المحيطات لتساعد العراقيين على مواصلة البناء وتطوير مختبراتهم العلمية الفريدة من نوعها في الشرق الأوسط على الأقل؟
هذه التخريفات لا يعادلها إلا laquo;الكشفraquo; عن تعاون سياسي واقتصادي بين الأردن والإمارات العربية المتحدة وكأن في العالم من يجهل مستوى التنسيق بين البلدين اللذين تخندقا قديما في محور الاعتدال ونبذا بمحض إرادتهما الممانعة ومحاور الشر..
ما بات مؤكدا حتى الآن هو أن الموقع اتبع طريقة فجة في التعامل مع الوثائق الرسمية تسيء إلى العلاقات الدبلوماسية وتضع مراسلات وأختام الحكومات على قارعة الطريق لكنه قطعا لم يكشف سراً فليس جديدا أن أميركا تهيمن على الملفات المهمة وأنه لا يعزب عنها مثقال ذرة في الشرق الأوسط.. ولسنا بحاجة لموقع إلكتروني يؤكد أن تركيا باتت تلعب دورا مهما في المنطقة لأن الحركات الإسلامية في العالم العربي تعلق آمال تحرير فلسطين على الخليفة رجب طيب أردوغان.
إنه لمن المؤسف حقا أن يُشغل الرأي العام بهذه التسريبات التي لا تقدم أي مفيد ولا تخدم غير أصحابها حيث ستمكنهم من الإثراء على حساب وعي الجماهير وتكريس ثقافة الفراغ التي ينتجها الإعلام العربي.
لن أجلس مجددا أمام التلفاز لأكون أحد ضحايا إنفلونزا ويكيليكس ولن أعلق أيضا على أي تخريفات يسربها.. كما أنصحكم أيها القراء الكرام بعدم تضييع أي ثانية في متابعة هذه التفاهات لأن الوثيقة التالية ستكون أكثر سخافة، وربما يقول الموقع إنه حصل على معلومات مؤكدة تقول أني كنت في المكتب يوم السبت في الثانية صباحا وإن لديه وثيقة خاصة تكشف أن أحد زملائنا عمل تحقيقاً عن بعض الحفر الواقعة بجانب الطريق!!